معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > وصايا و تعاليم و دستورات > بركات ذي الحجّة

_______________________________________________________________

هو العليم

بركـات ذي الحجـة
عرفة .. الأضحى ..الغدير

 

وصايا تختصّ بشهر ذي الحجّة الحرام ومناسباته
وأهمّ الأعمال التي توجب الاستفاضة من بركاته لمن كان متشرّفاً بديار الأنس أو غير متشرّف على السواء
ألقيت في ذيل محاضرة عنوان البصري 162


لسماحة آية الله الحاج

السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني

حفظه الله

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

 

    

وصايا حول شهر ذي الحجّة

هناك بعض المسائل التي يجدر بالإخوان أن يطّلعوا عليها، وإن لم تكن خافية عنهم، ولكن من باب التذكير، وهي تختصّ بشهري ذي الحجّة الحرام ومحرّم. ولقد دنا موعد هذا الأخير، فيحسن أن نشير إلى بعض ما يتعلّق به أيضاً. إنّ شهر ذي الحجّة من الأشهر التي تمتاز بأهمّيّة كبيرة، وليست العشرة الأُولى منه وحدها هي العظيمة بل سائر أيامه كذلك، وهكذا مناسباته مناسبات رفيعة. أوّلاً إنّ هذه العشرة التي نحن في رحابها هي تتمّة لأربعين النبيّ موسى عليه السلام. قال تعالى في كتابه الكريم: { وَ واعَدْنا مُوسى‏ ثَلاثينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ } [1]. فقد حدّدنا لموسى بداية ثلاثين ليلة، ولكن بعد أن أتمّها وجدنا أنّ لديه استعداداً لاستقبال المزيد من الفيوضات فلم نبخل عليه، وأضفنا له في وعائه المزيد من الرزق، وأفضنا عليه من ألطافنا ونعَماتنا لمدّة عشرة أيّام أخَر، فصارت لياليه أربعين ليلة. فتمّ. لم يقل بدايةً أربعين، بل قال ثلاثين ثمّ أضاف إليها هذه العشرة؛ حتّى يصل موسى إلى ذلك المقام الذي يجب أن يصل إليه، وحتّى ينال تلك المرتبة التي تليق به. والحاصل أنّ ما ناله موسى عليه السلام في هذه العشرة ـ على ما ذكر أولياء الله ـ لم ينله في الثلاثين التي مضت، ولم ينله في شهر من المناجاة في جبل الطور، وفي النتيجة كان هذا الشهر من المناجاة والعبادة نعمة جعلته يفوز بهذه الأيام العشرة.
ولذا فالصوم في هذه العشرة من الأعمال المهمّة جداً وله ثواب عظيم، وكذا الأذكار التوحيديّة الواردة عن أمير المؤمنين عليه السلام، فمن المستحبّ أن تُقرأ في اليوم عشر مرّات: لا إله إلا الله عدد الليالي والدهور ...إلى آخرها فيؤدّي المؤمن هذه الأذكار ويلتفت إلى معانيها.
وهذه الأذكار هي أكبر دليل على مبدأ وحدة الوجود؛ فمن وجهة نظر علميّة وفنيّة، ومن وجهة نظر شهوديّة، ومن وجهة نظر الحكمة المتعالية والعرفان النظريّ ليس في وسع أمير المؤمنين عليه السلام أن يأتي بتعبير أكثر صراحة من هذا ليعبّر به عن وحدة الوجود وصرافته وبساطته، وتمتاز هذه الأذكار بغرابة ودقّة عجيبة، فإن عثرتم على ترجمة دقيقة لها[2]فليكن ذكركم ناظراً إليها؛ لتلامسوا لطائف هذه المعاني التوحيديّة ورقائقها.
وهي أذكار في الحقيقة عجيبة؛ فأمير المؤمنين عليه السلام يقول: لا إله الله عدد لمح العيون، فليست الأعيان الثابتة والتعيّنات الخارجيّة هي الوحيدة التي تمثّل مظهراً للتوحيد، بل كافّة العوارض التي تعرض على الأعيان من الحركات والسكنات هي مظاهر له أيضاً، كعدد الرياح. فما معنى لا إله إلا الله عدد الرياح؟ أو لا إله إلاّ الله عدد الليالي؟ أو لا إله إلاّ الله عدد الأيام؟ وعدد السنوات وعدد الأشجار؟ لا إله إلاّ الله عدد الشوك والشجر، ولا إله إلاّ الله عدد الشعر والوبر. فما معنى أن يكون لحقيقة لا إله إلاّ الله وجود عدد كلّ شعرة في الدنيا؟ هل تعني أن نأخذ السبحة بأيدينا ونقول: لا إله إلاّ الله بهذا العدد؟!! أهذا هو ما يريده الإمام عليه السلام؟! لو كان الأمر كذلك لكان الأفضل أن يأتي برقم واحد ويضع إلى جانبه أصفاراً من هنا إلى طهران! لماذا يهتمّ الإمام ويأتي بالشَعر ويأتي بالشجر ويأتي بالحصى و يأتي بالصخور وبالوبر ويأتي بالبحر و بحركات الرياح، ويأتي بالصحاري؟ لمَ كلّ ذلك؟ إنّه يعني بذلك أنّ كلّ ما يتحقق ويتعيّن في الخارج هو تجلّ للتوحيد، ونحن عن ذلك غافلون. إنّه يعني بذلك أنّ للّه حضوراً عينيّاً خارجيّاً مع كلّ شعرة وشعرة، لا أنّ الشعرة هي الحقّ تعالى، أو أنّ الشعرة هي الله، لا فالشعرة هي الشعرة، ولكنّ وجود الله غير منفصلٍ عن هذه الشعرة، وله ظهور خارجيّ من خلال هذه الشعرة، وله وجود خارجيّ من خلال هذه الريح، ومن خلال هذا البدن، ومن خلال جفون العيون، وله ظهور خارجيّ من خلال حركة اليد، وله ظهور خارجيّ من خلال الليل. وممّن صدر هذا الكلام؟ إنّه كلام أمير المؤمنين عليه السلام. ليجلس كلّ منّا مع نفسه.. وليتفكّر في هذا الكلام، وهو في غاية الأهميّة بالنسبة لهذه الأيّام العشرة من ذي الحجّة، بل حتّى بالنسبة لشهر رجب... أي بالنسبة لكلّ ما يماثل هذه الأيّام، فقد ورد التأكيد على الصوم في هذه الأيّام بما لم يرد في شهر رجب، وكذا الاهتمام بالأذكار التوحيديّة والالتفات إلى التوحيد.
ومعه فيحسن بالسالك في هذه الأيّام العشرة خصوصاً أن يتوجّه بذهنه وفكره في المراقبة نحو التوحيد، وينصرف عن الكثرات والتعلّقات الخارجيّة؛ وذلك ليعظم نصيبه من الفائدة. وهذه الأيّام هي أيّام الله التي يقول الله عنها في سورة إبراهيم: { وَ ذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّه‏}. أي: يا إبراهيم ذكّر الناس بهذه الأيّام وألفت أنظارهم إلى اغتنامها؛ ليأخذوا حظّهم من تلك المائدة التي مدّت بين أيديهم.
واليوم السابع من هذا الشهر يوم شهادة الإمام الباقر عليه السلام، الذي يصادف يوم غد على ما يظهر، واليوم التاسع يوم عرفة، ذلك اليوم الغنيّ عن التعريف، وليلته من أهمّ الليالي، ومن المؤكّد فيها استحباب زيارة سيّد الشهداء عليه السلام؛ فقد كان الأولياء والعرفاء والمرحوم السيّد الحدّاد يزورون بها في تلك الليلة، كما كانوا يوصون بها مريديهم. أمّا من يوفّق للتشرّف بتلك البقعة المباركة فله شأنٌ آخر، وسيتنعّم بالفوز بالعديد من النعم والألطاف.. نسأل الله أن يرزقنا جميعاً، وإن لم نوفّق فالأمر باقٍ على أهميّته أيضاً؛ فولاية الإمام عليه السلام واسعة وطريق الولاية واسع لا يختصّ بمكانٍ، والإمام مرتبطٌ بالقلوب يشدّها إليه. نعم، إنّه يجتذب إليه تلك القلوب المستعدّة التي تليق به.

    

طرف من أسرار يوم عرفة ودعائه

والصوم يوم عرفة من أهمّ المستحبّات الأكيدة ما لم يؤدّ إلى الضعف المانع عن تلاوة الدعاء، وأمّا إذا أمكن الجمع وخصوصاً في هذه الأيّام القصيرة النهار اليسيرة الصيام فلا يفوّت. وليس العمل الوحيد ليوم عرفة هو دعاء سيّد الشهداء فحسب، فهناك عدد من الأدعية مذكور في مفاتيح الجنان وهي من المستحبّات المؤكّدة أيضاً. أمّا دعاء الإمام الحسين عليه لسلام في يوم عرفة فهو من الأدعية العجيبة، وقد كان الأولياء يدعون به ويوصون مريديهم بذلك. وكان المرحوم العلاّمة في كثير من السنوات يجمعنا في بيته، ثمّ يأمرني بقراءته بحيث يستمع الحاضرون وينصتون. و لا بدّ أن نهجر ما هو شائعٌ الآن في المجالس من إمساك كلّ من الحاضرين نسخة من كتاب مفاتيح الجنان والشروع بالدعاء مستقلاً؛ فالدعاء يُقرأ من قبل أحد الحاضرين فقط. نعم من أحبّ أن يقرأ بنفسه فليقرأه في منزله، ولا إشكال في ذلك، كأن يذهب إلى منزل أو إلى مسجد أو إلى مكان يحقّق فيه الخلوة مع نفسه ويكون فيه وحيداً فهذا جيّد. وأمّا إن كان هناك جماعة في مجلسٍ واحدٍ فليقرأ أحدهم الدعاء وليستمع الآخرون وليردّدوا بقلوبهم؛ فإنّ هذه الطريقة تفوق في أثرها طريقة القراءات المستقلّة لكلّ من الحاضرين، والأمر نفسه في سائر الأدعية؛ فهذا يؤدّي إلى عمق الأثر وزيادة الالتفات.
نعم، إنّ دعاء عرفة لدعاء رفيع.. إنّ في دعاء سيّد الشهداء في هذا اليوم بحاراً من المعرفة. لقد بيّن فيه الإمام عليه السلام خضوع تمام وجوده بكلّ مراتبه وشراشره ليَد القدرة الربانيّة، سواء في أصل إيجادها أو في تكاملها واستمرار حياتها، أو في كيفيّة المساعدة والهداية، وهو عجيب واقعاً، و في غاية الروعة. فمن يقرأ هذا الدعاء ويلتفت إلى ما يتضمّن من معانٍ، سيدرك أن لا شيء من حركاتنا يمكن أن يتحقّق بمعزل عن عناية الله، فما لم تكن عناية من الله فلا يمكننا القيام بأيّ شيء على الإطلاق! ولو أنّ عناية واحدة سلبت لأحاطت بنا مئات الموانع. ومانع واحد يكفي لإيقاف الإنسان. مانع واحد يكفي لمنعه عن أداء عمله. مانع واحد يكفي للحيلولة دون وصوله إلى المكان الذي يتوجّه إليه. مانع واحد يكفي لمنعه عن الصلاة، عن الدعاء، عن التوجّه. من الذي يرفع هذه كلّ الموانع؟ أشار الإمام عليه السلام في هذا الدعاء إلى أنّ الله يرفع كافّة هذه الموانع قائلاً: إلهي أنت أخذت بيدي، وهيّأت لي كل ما هو خيرٌ لي، وأزلت الموانع الواحد تلو الآخر، وأنا غافلٌ عن ذلك.
فأنا جئت الآن إلى هذا المجلس، ولكن هل تعلمون أنّ آلاف الموانع قد أزيلت حتّى أمكنني الوصول؟ لا! نحن نقول بكلّ سهولة: ركبنا السيّارة وشغّلنا محرّكها وأتينا! كان هناك آلاف الموانع التي لا علم لنا بها، فواحدة منها أن لا يشتغل محرّك السيّارة، لو أنّ محرّك السيّارة تعطّل لما أمكن الوصول. ولكنّ الله أخفى كلّ ذلك قائلاً: ما عليك إلا أن تصفيَ قلبك ونحن علينا أن نرفع الموانع، فالله قد سهّل لنا الأمور.. أنا أحمل عنك جميع أثقالك، فماذا عليك بعد ذلك؟ لا نريد منك سوى مثقال ذرّة من الصفاء، شيئاً من الهمّة، شيئاً من الصدق، وما تبقّى هو علينا نحن. لم يأمرك أحد بنحت الصخور! فهذه الأعمال هي وظيفتنا نحن، ما عليك إلاّ الصفاء ونحن نتولّى دفعك إلى الأمام، نحن نتولّى تعبيد الطريق، نحن نقدّم لك ما ينفعك، ونبعد عنك ما يضرّ بحركتك. نحن نقوم بكلّ ذلك، وأنت تقول: ما شاء الله! أنا سالكٌ! أنا أتقدّم وأسير في سبيلك يا ربّ! كلا يا عزيزي تعالَ وانظر حقيقة الأمر! حينها سنطأطئ رؤوسنا خجلاً ولن نجرؤ على النظر إلى وجه الله، ولا إلى وجوه أولياء الله! عجباً لنا أين كنّا ولم يكن الأمر بطلب منّا:
ما نبوديم وتقاضامان نبود

                             لطف تو ناگفته ما مى شنود

(لم نكن نحن ولم يكن الطلب منّا *** لكن لطفك هو الذي يَخبُر عمّا في ضميرنا)
أنت أعددت منذ البداية كلّ شيء حتّى أوردتنا هذا الطريق.
أودّ أن أطرح عليكم هذا السؤال: لو لم يكن المرحوم العلاّمة، ولم تكن تلك السلسلة، ولو لم يكن هؤلاء الأولياء العظام فماذا كنّا سنصنع؟ نعم، يمكن أن يجعل الله طريقاً آخر، ولكن لو فرضنا أنّه كان هو الطريق الوحيد ولم يجعل لنا غيره، وقال: أنا أريد أن أسدّ هذا الطريق وأحرمكم منه، لو لم يكن هؤلاء الأولياء ولو لم يوصلوا إلينا الحقيقة، فمن أين كانت ستصلنا هذه التعاليم؟ لو أردنا حينها أن نصل إلى الله فماذا كان علينا أن نصنع؟ أفكان يجب علينا أن نصغي إلى هذا الهراء الذي تسمعون؟ من الذي منّ علينا برجل كهذا يكتب لكم الكتب حتّى وهو ملقى على السرير بعد إجراء عمليّة جراحيّة؟ من الذي منّ علينا بذلك؟ وقد ذهبنا إليه وقلنا له: سماحة السيّد دع الآن الكتابة! فقال: أأترك الكتابة؟ إذن ماذا أصنع؟ لا فأنا الآن بمقدوري أن أكتب صفحة أو صفحتين، فمن الذي جعله كذلك؟ من الذي ألقى فيه الشوق والرغبة والألم؟ من الذي أودعه تلك الهمّة وذلك الإحساس؟ نسأل الله أن يرزقنا فهم ذلك يوماً ما. نعم، نحن ندرك ذلك بنسبة ولا أقول: لا ندرك، والإخوان يدركون، والحمد لله كلّهم من أهل الفضل والمعرفة. ولكن نسأل الله أن يرزقنا فهماً أعمق لذلك الألم، ذلك الألم الذي دفعه يوماً أن يقول في طهران: لو قطّعوا بدني إرباً إرباً على أن أتنازل عن سطرٍ واحدٍ ممّا كتبته لما فعلت. فلنحاول استشعار هذا الألم! فإذا بلغنا ذلك فستتّخذ الأمور صورة أُخرى، وستتغيّر حالاتنا ومدركاتنا.

    

عيد الأضحى قيمته وأعماله

كما أنّ عيد الأضحى من فرص هذا الشهر، وهو يوم عظيم، وهو أحد اليومين اللذين جعلهما الله عيداً والثاني عيد الفطر. وبعد شهر من الصيام والضيافة الإلهيّة يقدّم الله تعالى ثوابه في يوم عيد الفطر ومع أداء صلاة العيد: اللهمّ بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً ولمحمّد صلّى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً وكرامة ومزيداً. إلهي أنت الذي جعلت هذا اليوم عيداً، ومن شأنه أن يكون عيداً، لماذا؟ لأنّا رجعنا من ضيافتك، فقد جئنا إليك وحللنا عندك شهراً فتطهّرنا وتجرّدت نفوسنا، وقلّت كثراتنا، وضعفت تعلّقاتنا. أليس المرء في شهر رمضان أكثر قدرةً على الإنفاق؟ فهذا علامة ذلك. أليس المرء في شهر رمضان أكثر صفحا ًوتجاوزاً؟ أليس أكثر عطفاً وشعوراً؟ فمن أين جاء كلّ ذلك؟ إنّه من ضيافة الله. وهذا اليوم هو عيد لكلّ عبدٍ في مستواه، وبحسب المرتبة التي يؤدّي أعماله على أساسها. وقد كان الأولياء العظام ـ كما قرأتم في أحد كتب المرحوم العلاّمةـ ينطلقون في هذا اليوم إلى مشاهد الأئمّة للزيارة والشكر. كانوا يأتون إلى النجف، إلى كربلاء إلى سيّد الشهداء عليه السلام، إلى أبي الفضل، ثمّ يتوجّهون إلى الكاظمين عليهما السلام، ثمّ إلى سامرّاء، وإلى مقام السيّد محمّد ابن الإمام عليّ النقيّ عليه السلام، الذي ورد في حقّه أنّه كان تالي تلو الإمام (وقبره في طريق سامرّاء في قرية تسمّى بلد)، وهكذا سائر أولاد الأئمّة كحمزة والقاسم المدفونين في كربلاء. وهؤلاء العرفاء هم الذين يُقال عنهم: إنّهم ضدّ الولاية!! كم على الإنسان أن يبتعد عن الدين والوجدان ليتفوّه بهذا الكلام؟! إن لم تكن ذا دين فلتكن صاحب وجدان! أهؤلاء هم أعداء الولاية والذين لا يولون الأئمّة مزيد عناية؟!
فهؤلاء العظام كانوا يزورون في عيد الفطر بعنوان الشكر، والأمر نفسه في عيد الأضحى، فيا إلهنا! يا من أوردنا في هذه الأيّام العشرة المسمّاة بـ (أيام الله)، لقد قضينا ثلاثين موسى عليه السلام ثمّ هذه العشرة فتمّت أربعين يوماً. ولا تظنّوا أنّ يوم العيد مختصّ بأولئك الذين هم في عرفات ومنى والمشعر، فأُولئك لهم أجرهم الخاصّ، ولكنّ نفس ذلك الملكوت المسيطر على تلك الأماكن مسيطر هنا عند كلّ مراقب عامل بما ورد في هذه الأيّام؛ فإنّ ذلك الملكوت يعمّ ملكوت كلّ عامل في كلّ مكان، وكأنّه قد زار مكّة وعرفات والمشعر وذبح. ولذلك يستحبّ الذبح في هذا العيد حتى مع عدم التشرّف بالحجّ في العام نفسه، وخصوصاً لمن كان قد تشرّف فيما سبق، ويستحبّ له أن يذبح كلّ عام في مثل ذلك اليوم؛ لتشمله الآثار الملكوتيّة الخاصّة بالحاجّ، ومن هنا ينبغي للجميع أن يصلّوا صلاة العيد في هذا اليوم فرادى أو جماعة.
ويستحبّ أيضاً المداومة على الأذكار التوحيديّة المختصّة بذلك اليوم حتّى غروب اليوم الثاني عشر، فأولياء الله يذكرون الله بها بعد صلاة الصبح عند صلاة العيد، وبعد صلاة الظهر والمغرب والعشاء من اليوم الحادي عشر وحتّى غروب الثاني عشر حيث ينتهي وقتها. هذا ما يتعلّق بعيد الأضحى.

    

عيد الغدير وقيمة الولاية

والمناسبة الأخرى في هذا الشهر هي عيد الغدير، يوم تجلّي الولاية وظهورها، يوم أمير المؤمنين عليه السلام، اليوم الذي قال فيه رسول الله صلّى الله عليه وآله: أفضل أعياد أُمّتي عيد الغدير. وهذه الرواية عن رسول الله مسلّمة؛ إذ الدين الذي يخلو من الولاية لا شيء. والصوم بغير ولاية عليّ عليه السلام كلا صوم، بل هو مجرّد هيكل أو صنم. والصلاة بغير ولاية أمير المؤمنين عليه السلام مجرّد صلاة ظاهريّة لا فائدة منها، وإذا طبع عملٌ مّا بخاتم الولاية ولَجتْه الروح، وما لم تمض الولاية على عمل فماذا سيكون؟! أمّا الصلاة فرياضة ولياقة بدنيّة. ألستم تقومون بذلك في الصباح أو في المساء؟! وأمّا الصيام فمجرّد التزام بنظام غذائي للحفاظ على الصحة والرشاقة... الحجّ مع الولاية هو حجّ إبراهيم وموسى عليهما السلام وحجّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وحجّ أولياء الله، وهو بغير ختم الولاية محض سياحة وتنزّه وتجوال. وممّا يؤسف له أنّه تحوّل إلى ذلك الآن، وقد شهدنا مراسمه في تلك الأسفار التي قمنا بها. فعند الصلاة ينهض مرشد الحملة ويقول: لنصوّر فيلماً عن صلاتنا ليلة عرفات. هكذا صارت ليلة عرفة عندنا. وأمّا يوم عرفة فمعلوم الحال... فكلّ هذه المراسم صارت أفلاماً وصوراً وانحرافاً وبعداً عن المعنى. قد يوفّق الله تعالى الإنسان في عمره مرّة واحدة ليزور مكّة ومشاعرها والأماكن التي وقف فيها أنبياء الله، غير أنّه يأتي ليلهوَ بهذه المسائل، ليكون أسوأ الناس حظاً بخسرانه النعم الإلهيّة. نسأل الله أن يهبنا شيئاً من الفهم، وشيئاً يسيراً من الشعور؛ لنفهم الحقائق بنحو أفضل.

    

ضرورة إعلان يوم الغدير للعالم أجمع

والحاصل أنّ المسؤوليّة ثقيلة جدّاً. وعلى كلّ حال فإنّ يوم الغدير عيد ولاية أمير المؤمنين عليه السلام، ولا بدّ أن تتحوّل قضيّة ولاية أمير المؤمنين إلى شعار. لكن وبحمد الله نرى في هذه الأيّام أنّها تتّجه شيئاً فشيئاً إلى عالم النسيان!!! وذلك لصالح قضايا الوحدة بين الشيعة والسنّة. ولا بدّ من القول هنا أنّ ما نقوم به هو عمليّة فناء في التسنّن، فقد تجاوزنا عمليّة الوحدة!! وقد تحوّل الأمر إلى عمليّة إفناء للتشيّع في التسنّن، وذوبان في شخصيّتَي عمر وأبي بكر!! فنرى فئة ممّن لا يعرفون الله في شيء يحملون الفؤوس في أيديهم لينهالوا ضرباً بها على ظهر التشيّع، فالله فقط هو الذي يجازيهم. إنّهم يقومون باسم التشيّع بمنع ذكر اسم أمير المؤمنين عليه السلام، ومنع الحديث عن الخلافة. ما معنى هذا المنع؟! قلبَ من نريد أن نستميل؟! وخلف من نريد أن نمشي؟ إنّ للدين وليّاً، وإنّ وليّه لحيّ حاضر. لا بدّ من الالتفات إلى عدم تجاوز الخطوط الحمراء؛ كي لا نكون ممّن ينصبّ عليهم غضب وليّنا الحيّ! إنّ التلاعب بمسألة ولاية أمير المؤمنين تلاعب بذنب الأسد[3]، وإذا فات الأوان فلن ندري حينها من أين كان الاشتباه. فإن شئتم أن تتلاعبوا فلا بأس! ولكن ستفهمون جيّداً أنّ الدنيا بيد من؟ فلا تدوسوا ذنب الأسد!!
لا بدّ من إعلان قضيّة الغدير إلى كافّة أرجاء الدنيا، لا كما يقول ذلك الجاهل: إنّ الولاية والغدير مجرّد فرع فقهيّ، وهناك اختلاف حول كافّة الفروع الفقهيّة. أيّها العديم الشعور، هل الولاية والغدير فرع فقهيّ؟! أم إنّها أهمّ المسائل الأصليّة في الشريعة وفي الدين؟ هؤلاء هم الذين يفصمون ظهر الشريعة، وهؤلاء هم الذين كسروا ظهر أمير المؤمنين عليه السلام. نعم، فرع فقهيّ كسائر الفروع الفقهيّة!! أنت الذي عميت عينك فلم ترَ ما قاله الرسول صلّى الله عليه وآله: «ما نودي بشيء مثلما نودي بالولاية». لم يتّخذ في الشريعة بناء إلاّ وبناء الولاية أرفع منه، بل إلا والله أشدّ اهتماماً بالولاية منه، هي أرفع من كلّ بناء، أرفع من الصلاة والصيام والحجّ. ألم تقع عينك على ذلك؟! يقولون: لا فالآن يجب أن لا نتكلّم بهذا الكلام، ويجب أن لا نأتي على ذكر ذلك! الآن ليس وقت هذا الكلام! متى وقته إذن؟ أعندما يظهر الحجّة؟! على الإنسان أن يلتفت إلى هذه المسائل، وعلينا أن نلتفت إلى أنّ شيعة أمير المؤمنين عليه السلام لا يصغون إلى كلام هذا أو كلام ذاك، إنّهم يوقفون أسماعهم على كلمات العظماء. الشيعيّ يأخذ تكليفه من أمير المؤمنين عليه السلام ومن العرفاء. نحن نأخذ تكليفنا عن العارف الذي عرف أمير المؤمنين عليه السلام، عن وليّ الله الذي عرف أمير المؤمنين عليه السلام، ولا نأخذه من كلمات أيّ إنسان يتكلّم في الصباح كلاماً ليخالفه عند الظهر وعند المساء وفق المصالح والمنافع الدنيويّة والموقعيّة والشخصيّة. والمسألة الوحيدة التي تغيب عن كلامه هي مسألة صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه، والحقوق التي له في أعناقنا، وليس لديه شيء سوى ذلك.

    

وصايا في كيفيّة إحياء مراسم عيد الغدير

ومن هنا علينا أن نضاعف من اهتمامنا بمسألة الغدير هذه، ولا بدّ من الاحتفاء بها لمدّة أيّام خمسة عملاً بالسنّة التي أسّس لها الأولياء العظام. ويبدأ الاحتفاء بأربعة أيّام قبل الثامن عشر وينتهي به، ولا بدّ في هذه الأيّام من التعرّض للموضوعات التي تهمّ مدرسة أهل البيت وأمير المؤمنين عليهم السلام، وليس من المفيد الاقتصار على إلقاء الشعر في أمير المؤمنين عليه السلام. نعم يحسن أن تقرأ قصيدة أو قصيدتان أو ثلاثة، لا أن تقضى هذه المجالس كلّها بإلقاء الشعر، ولا بدّ أن تبيّن في هذه المجالس الموضوعات التي تهمّ أمير المؤمنين عليه السلام من العقائد وكيفيّة التعاطي مع الحياة، وكيفيّة السلوك وكلّ ما يثبّت أصولنا، سواء صيغ ذلك في قالب من الشعر أو المقالة أو القصّة أو المحاضرة أو الكتاب. ولا بدّ أن تراعى مدّة هذه المجالس بما لا يؤدّي إلى ملل الحاضرين، بل يحافظ على نشاطهم. وعلى السيّدات المشاركات في هذه المجالس أن تأتينه بزيّ يناسبه، مبتعدة عن الأزياء غير اللائقة بأجوائه. فمجلس ولاية أمير المؤمنين يختلف عن حفل الزفاف، كما لا بدّ من الابتعاد عن التظاهر والسمعة والتنافس بين مجلس وآخر. لذا ينبغي أن تكون المجالس كلّها في مستوى متقارب من حيث كلفتها، وقد سبق الحديث عن ذلك فيما مضى، فلا بدّ من مراعاتها. علينا أن ننشر الاحتفاء بهذا العيد في العالم كلّه، لأنّ من واجب العالم كلّه أن يحتفيَ بهذا اليوم، والحمد لله فإنّ الكثير من البلدان تحتفي به. ولا بدّ أن يعمّ أرجاء العالم ذلك النداء الذي نزل على رسول الله أن: { يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}. فإن لم تبلّغ اليوم ولاية عليّ فأنت لم تبلّغ شيئاً من رسالتنا، وهذه الآية هي اليوم تنزل علينا أيضاً. ألم نكن قد ذكرنا للرفقاء أنّ هذه الآيات للجميع؟ كلّ آيات القرآن من أوّل سورة الحمد وحتّى آخر سورة الناس نازلة لنا نحن، غاية الأمر أنّها لكلّ واحد بحسب رتبته، وكأنّ هناك مرآة تعكس القرآن للآخرين تتمثّل بالنبيّ صلّى الله عليه وآله، لا أنّ القرآن نزل لرسول الله فحسب. ونحن ليس لنا إلاّ أن نقرأه، فهذا لا يمثّل شيئاً من قيمة القرآن، ولو كان القرآن كذلك لكان مجرّد صحيفة يوميّة! لا بل آيات القرآن نازلةٌ على كلّ فرد منّا، ويوم القيامة يأتي هذا القرآن يخاصم ويدّعي ويشتكي: إنّ فلاناً قد ألقاني جانباً، وليس ذلك بمجرّد هزل؛ فالروايات تنبئ عنه، وليس الكلام كلامي. الروايات تشير إلى شكوى القرآن أن: أهملوني ولم يعملوا بآياتي، ولم يصغوا إليها، ولم يتلوها. ومعه فقوله تعالى: { يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ } نزل الآن علينا، فيا أيّها المتكلّم ويا أيّها السامع! إن لم تبلّغ ذلك فما صلّيت وما صمت وما حججت وما تصدّقت. وهذا معنى {فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ}، أي: إنّك لم تبلّغ للناس الصلاة ولا الصيام ولا الحجّ. ونحن كذلك إن لم نبلّغ فما صلّينا وما صمنا، ولا يعني أن تأتي بمكبّر الصوت وتشرع بالتبليغ، لا بل كلّ يبلّغ ويعلن بما يتناسب مع مكانته. كأن تظهر ذلك لجيرانك، وتعلنه في متجرك. وهذا معنى الولاية فإن كان هناك ولاية كانت الصلاة، وإلاّ فهي مجرّد تمارين رياضيّة. إن كانت الولاية في ختام صحائفنا فنحن عباد، وإلاّ فماذا نكون؟ نكون فرعون ونمرود وشدّاد، وما في ذلك من هزل أو مبالغة؛ فهذا هو المعنى الحقيقيّ للولاية. ولذا أوصى الأولياء العظام بإحياء هذه المناسبة وسنّوا هذه السنّة، وعلينا نحن بدورنا أن نتّبعها. وهناك مسائل أُخرى كنت أودّ طرحها عليكم، ولكنّي أشعر بالتعب، ونسأل الله أن يعقَد حتّى حلول محرّم الحرام مجلس آخر فنتحدّث للإخوان إن شاء الله عن شيء ممّا يتعلّق بعزاء سيّد الشهداء عليه السلام، وكيفيّة إحياء مجالسه، وما ينبغي للإنسان أن يخرج به من هذه المجالس، مع الإشارة إلى بعض ما يثار هنا وهناك حول الموضوع.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.


[1] ـ الأعراف ، الآية:142 .

[2] ـ باعتبار أنّ المخاطبين ناطقون باللغة الفارسيّة (م).

[3] ـ مثل فارسيّ مشهور.(المترجم)

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->