معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > الاخلاق والحكمة و العرفان > الشمس‌ الساطعة
کتاب الشمس الساطعة / القسم الثامن: بقاء الاعیان الثابتة فی حال الفناء

في‌ معني‌ الإنيّة‌:  بیَنِي‌ وَ بَيْنَكَ إِنّیِّي‌ يُنَازِعُنِي‌

و لن‌ يبقي‌ في‌ حال‌ الفناء من‌ فاصلة‌ أو حجاب‌، بل‌ ستوزل‌ جميع‌ الحُجب‌، حتّي‌ حجاب‌ الإنيّة‌.

  بَيْنِي‌ وَ بَيْنَكَ إِنِّیِّي‌ يُنَازِعُنِي                    ‌ فَارْفَعْ بِلُطْفِكَ إِنِّیِّي‌ مِنَ البَيْنِ

 العلاّمة‌:  لقد وجد الإنسان‌ كمالات‌ معيّنة‌ في‌ هذه‌ الدنيا، و حين‌ حصل‌ الإنسان‌ ـ بما انّه‌ إنسان‌ ـ علی الكمال‌، فقد اكتسبه‌ في‌ هذه‌ النشأة‌، و حين‌ حصل‌ علی تعيّن‌ من‌ العالم‌ العلوي‌ و هبط‌ الی الاسفل‌، فانّه‌ لم‌ يكن‌ جسماً و لم‌ يكن‌ له‌ جسميّة‌، لذا فانّه‌ لم‌ يمتلك‌ الإسم‌ و خصئص‌ الموقع‌ و الموضع‌؛ ثم‌ انّه‌ حين‌ قدم‌ الی بُعد الكثرات‌ واستقرّ في‌ نشأة‌ المادّة‌ و نشأة‌ الجسمانيّة‌ و تلبّس‌ بالجسد، فقد وجدت‌ ـ من‌ ثمّ ـ هذه‌ الآثار و الخصوصيّات‌ و ظهر هذا الإسم‌، و ظهر:  هذا إنسان‌، هذا زيد، هذا عمرو،  ثم‌ سار الإنسان‌ مع‌ هذه‌ الكثرات‌ و الكتسب‌ الكمال‌؛ امّا حين‌ عاد الی الله‌ و فني‌ في‌ المقام‌ الاخير، فانّ عينه‌ الثابتة‌ ستبقي‌ في‌ النهاية‌، و لن‌ تضمحلّ الاعيان‌ الثابتة‌ لزيد و عمرو و بكر و لن‌ تصبح‌ واحدة‌.

 انّ الفناء في‌ ذاتا لله‌ ليس‌ ملازماً لزوال‌ العين‌ الثابتة‌ و فنائها، بل‌ لن‌ تزول‌ العين‌ الثابتة‌ و لن‌ تفني‌ بوجه‌ من‌ الوجوه‌، و لن‌ تفسد أو تزول‌ زيديّة‌ زيد و عمريّة‌ عمرو، و لن‌ تبطل‌ هويّتهما.

 و لو تقرّر انّ العين‌ الثابتة‌ ستزول‌ و انّ الهوية‌ ستبطل‌ في‌ النهاية‌ عند الكمال‌ (أي‌ عند مقام‌ الفناء في‌ الله‌)، فما المبرّر ـ يا تري‌ ـ لهذه‌ المساعي‌، و هذه‌ المحن‌، و هذه‌ المجاهدات‌، و هذه‌ العبادات‌؟!

 و لمن‌ ستكون‌ الدعوة‌ إن‌ تقرّر عدم‌ بقاء إسم‌ و لا رسم‌ و لا «أنا» و لا «نحن‌»؟ و الی مَ يدعو الانبياء و الاولياء الإنسان فيقولون‌ له‌: جاهد و تحمّل‌ المحن‌؟ أللفناء و العدم‌؟ إن‌ كان‌ العدم‌ نتيجة‌ كسب‌ الكمالات‌، كانت‌ الدعوة‌ عبثاً، و ما استجاب‌ أحد، و ما كان‌ لإستجابته‌ من‌ مغزي‌.

 لقد كانت‌ الكمالات‌ مختصّة‌ بأجمعها بذات‌ الحقّ جلّ و علا منذ البدء، و هي‌ الآن‌ كذلك‌؛ و الدعوة‌ الی الكمال‌ المطلق‌، أي‌ الی الفناء في‌ ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، أي‌ الی فناء زيد في‌ الكمال‌ المطلق‌. فيجب‌ ـ اذاً ـ أن‌ يبقي‌ زيدٌ ما، و أن‌ يبقي‌ تعيّن‌ و عين‌ ثابتة‌ و هويّة‌، لنقول‌ انّ زيداً ذلك‌ و الهويّة‌ تلك‌ قد نالا كمالهما و فنيا في‌ ذات‌ الحقّ تعالي‌.

 سيكون‌ كلامنا هذا صحيحاً حين‌ نقول‌: فني‌ زيد في‌ ذات‌ الحقّ؛ و هذا هو منتهي‌ كمال‌ زيد و غايته‌. امّا ان‌ يفني‌ أصل‌ زيد و يعدم‌ من‌ خلال‌ الفناء، و أن‌ لا تكون‌ العين‌ ثابتة‌ خلال‌ الفناء، لنقول‌ انّ زيداً قد فني‌؛ فانّه‌ كلامٌ واهٍ بلا.ساس‌ و لا يمكن‌ التفوّه‌ به‌.

 امّا في‌ الشعر القائل‌:  بَيْنِي‌ وَ بَيْنَكَ إِنِّي‌ يُنَازِعُنِي‌، فغيه‌ أشياء عدّة‌، الاوّل‌ «بيني‌»، الثاني‌ «بينك‌»، الثالث‌ «إنّيي‌» و الرابع‌ «يُنازعني‌»، و هي‌ تمثّل‌ أموراً واقعيّة‌ أربعة‌.

 و لا يمكن‌ القول‌ بأن‌ القائل‌ يطلب‌ بكلامه‌ زوالها جميعاً و استحالتها جوفاء بلا معني‌ و لا جدوي‌. أو ليس‌ هناك‌ أيّ أثر للإنسان‌ و الإنسانيّة‌ في‌ الجنّة‌ و العالم‌ العلوي‌! إن‌ تقرّر أن‌ لا يكون‌ في‌ الجنّة‌ من‌ شي‌ء و هي‌ عالم‌ الفناء فأيّ جنّةٍ هي‌ يا تري‌؟

 التلميذ:  ليس‌ هناك‌ من‌ شي‌ء في‌ عالم‌ النفاء غير ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، لانّ الفرض‌ انّ الفناء في‌ الذات‌. و اذا تقرّر أن‌ تدخل‌ الكثرات‌ في‌ ذات‌ الحضرة‌ الاحديّة‌، فإنّ اشكالات‌ لا تُحصي‌ ستُثار علی ذلك‌. فالزيديّة‌ و العمريّة‌ و الاسماء والنقوش‌ و التعيّنات‌ و الاعيان‌ الثابتة‌ هي‌ بأجمعها من‌ مثار الكثرة‌ و لا سبيل‌ لها الی تلك‌ الاعتاب‌.

 وَ عَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَ قَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا. [1]

 لذا لا يمكن‌ وجود شي‌ء ثابت‌ في‌ عالم‌ الفناء، إذ لا يمكن‌ ورود شي‌ء في‌ عالم‌ الذات‌، و هذا الامر من‌ المسلّمات‌.

 بلي‌، جميع‌ الكثرات‌ باقية‌ في‌ عالم‌ البقاء بعد الفناء بحدودها و شؤونها و آثارها، أي‌ حين‌ تعود النفس‌ الی الكثرات‌ بعد حال‌ الفناء، فييدأ السير  الی الخَلْقِ بِالْحَقِّ،  فانّ جميع‌ آثار الكثرة‌ ستكون‌ قائمة‌ كلاّ في‌ موضعه‌ و محلّه‌ دون‌ ذرّة‌ من‌ زيادة‌ أو نقصان‌، و جميع‌ الكمالات‌ المكتسبة‌ في‌ هذه‌ العوالم‌، و التي‌ تلتذّ بها النفس‌ و تبتهج‌، منا لعلوم‌ و الفنون‌ و المعارف‌، موجودة‌ بأجمعها في‌ عالم‌ البقاء.

 امّا في‌ نفس‌ الفناء فليس‌ من‌ شي‌ء، و لا يمكن‌ أن‌ يكون‌ شي‌ء، فالكمال‌ هناك‌ منوطٌ بالفناء، و هذا الكمال‌ هو أعظم‌ الكمالات‌، إذ من‌ يمكنه‌ أن‌ يري‌ في‌ نفسه‌ الكمال‌ في‌ مقابل‌ الذات‌ الاحديّة‌؟ و هي‌ إذ تمتلك‌ الكمال‌، فانّه‌ لن‌ يوجد في‌ محلّ آخر. و أعلي‌ درجة‌ لمنزلة‌ الإنسان‌ و الإنسانيّة‌، أن‌ يري‌ الإنسان‌ نفسه‌ معدومة‌، و يري‌ الوجود المطلق‌ منحصراً في‌ ذات‌ الحقّ.

 و حين‌ يختصّ الوجود و حقيقة‌ الكمال‌ بذات‌ الله‌، فانّ الحديث‌ عن‌ الوجود و الكمال‌ ـ من‌ ثمّ ـ سيكون‌ غير صحيح‌. و حين‌ يمتلك‌ الهويّة‌ و التعيّن‌، فانّ حمل‌ الاعيان‌ الثابتة‌ و اصطحابها الی هناك‌ سيكون‌ أمراً غير لائق‌. هناك‌ مقام‌ هو هو؛ فما شأن‌ الاعيان‌ الثابتة‌.

 لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ. [2]

  انّ بُطلان‌ و فناء و زوال‌ العين‌ الثابتة‌ في‌ عالم‌ الفناء يمثّل‌ الإقرار و الإعتراف‌ بوحدانيّة‌ الله‌ و الاعتراف‌ بالولاية‌، أي‌ الاعتراف‌ بحقّ العبوديّة‌ المحضة‌ للعبد، و ليس‌ معني‌ ذلك‌ العبث‌ و اللاجدوي‌.

 أي‌ انّ الإنسان‌ يدّعي‌ الربوبيّد في‌ عالم‌ الكثرة‌، و تتجاذب‌ التعلّقات‌ قلبه‌، فكلُّ يجرّه‌ اليه‌؛ امّا اذا وصل‌ الی عالم‌ الفناء و أقرّ أماما لحضرة‌ الاحديّة‌ بفنائه‌ المحض‌ و اعترف‌ بانعدامه‌ الصرف‌، ثمّ تخلّي‌ أخيراً عن‌ وجوده‌ في‌ المرحلة‌ الاخيرة‌ خفني‌ و صدق‌ عليه‌ معني‌ الفناء، فليس‌ هناك‌ من‌ ذات‌ لتري‌ نفسها، أو لتري‌ الله‌، لانّ الذات‌ لن‌ توجد في‌ الله‌، و لا سبيل‌ لزيد و عمرو الی هناك‌، اذ هناك‌ الحقّ الذي‌ يري‌ نفسه‌، و الحقّ الذي‌ يُدرك‌ الحقّ، إذ لا شي‌ء غير الحقّ،  لاَ إلَهَ إلاَّ هُوَ وَ لاَ هُوَ إلاَّ هُوَ.

 انّ الجنّة‌ و لذّاتها عائدة‌ بأجمعها الی عالم‌ الكثرة‌، و تحقّق‌ في‌ مرحلة‌ البقاء بعد الفناء؛ و لدينا ثمان‌ جِنان‌، و ليس‌ هناك‌ في‌ جنّة‌ اللقاء و جنّة‌ الذات‌ (التي‌ يمثّل‌ الفناء درجتها العليا) الاّت‌ ذات‌ حضرة‌ الحقّ. و هذا الإنهدام‌ و الفناء يفوق‌ بوجوده‌ جميع‌ الوجودات‌. فِداءً لهذا الفناء الذي‌ يمثّل‌ حقيقة‌ الوجود و أصل‌ الوجود.

 امّا في‌ شعر  «بَينِي‌ وَ بَيْنَكَ إِنِّیِّي‌ يُنَازِعُنِي‌»،  فمع‌ انّ هذه‌ الاشياء الاربعة‌ موجودة‌، الاّ انّ الشاعر قد ملّ منها و تعب‌، فهو يرجو رفعها و إحالتها عدماً، فيقول‌: « فَأرْفَعْ بِلُطْفِكَ إنِّیِّي‌ مِنَ البَيْنِ »؛ إرفع‌ إنّني‌ و أعدمني‌ و أفني‌ في‌ ذاتك‌، و أوصلني‌ الی الفناء المحض‌. فإن‌ زالت‌ الإنيّة‌ من‌ البين‌، تبعتها الاشياء الثلاثة‌ الاخري‌ في‌ الزوال‌، و لن‌ تبقي‌ حينذاك‌ منازعة‌ و لا «بيني‌» و لا «بينك‌»، لانّ جميع‌ هذه‌ الإضافات‌ و المنازعات‌ قد تبعت‌ الإنيّة‌.

 هناك‌ في‌ عالم‌ التوحيد وحدة‌ محضة‌، و الاّ لما كان‌ توحيداً؛ و ليس‌ فيه‌ من‌ أحد غير الله‌، فهو وحده‌ بتأمّل‌ نفسه‌ و يستغرق‌ في‌ ذاته‌.

 امّا أمثال‌ زيد و عمرو و الإنيّات‌ و الاعيان‌ الثابتة‌، فستبقي‌ بأجمعها خارجاً  لاحقّ لها في‌ الورود.

في‌معني‌:  وَ مِن‌ غِيرَتِهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَ مَا بَطَنَ

 و لقد قال‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌:  إِنَّ سَعْداً لَغَيُورٌ وَ أَنَا أَغَيْرُ مِنْهُ وَاللَهُ تَعَالَي‌ أَغَيْرُ مِنِّي‌، وَ مِن‌ غِيرَتِهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَ مَا بَطَنَ.

 و لازم‌ الغيرة‌ أن‌ لا تدع‌ غيراً يدخل‌ في‌ البين‌، و الاّ ما كانت‌ غيرةً؛ و لقد كانت‌ حُرمة‌ الفواحش‌ و القبائح‌ علی هذا الاساس‌، فالاعتماد علی الوجود الشخصي‌ و الانيّة‌ في‌ مقابل‌ الله‌ ينبع‌ من‌ الفرعونيّة‌. و أنّي‌ سيمكن‌ لهذه‌ الانيّة‌ أن‌ تجد سبيلها في‌ ذات‌ الحقّ؟ اذ سيطردها و يبعدها بصرخة‌ واحدة‌ لا تبقي‌ لها أثراً الی حدود الجزائر الخالدة‌.

 كما انّ مآل‌ بقاء العين‌ الثابتة‌ حال‌ الفناء، إنكارٌ للفناء؛ أفلن‌ يكون‌ لدينا ـ من‌ ثمّ ـ فناءٌ في‌ ذات‌ الله‌! و ما الذي‌ سيؤول‌ اليه‌ آنذاك‌ مفاد:  الی اللَهِ الْمَصِيرُ؛  و الی اللَهِ تَصِيرُ الاْمُورُ؛  و  إِلَيْهِ يُرْجَعُ الاْمْرُ كُلُّهُ

 و أساساً فأيّ إشكال‌ عقليّ أو نقلي‌ّ سيستلزمه‌ الفناء في‌ ذات‌ الله‌، ليُلزمنا ذلك‌ الإشكال‌ بالقبول‌ ببقاء الاعيان‌ الثابتة‌؟

  العلاّمة‌:  إن‌ كان‌ للكمالات‌ اختصاص‌ بعالم‌ البقاء، و كان‌ الزوال‌ و العدم‌ المحض‌ حاكماً علی عالم‌ الفناء بشكل‌ مطلق‌ عموماً، و كانت‌ العين‌ الثابتة‌ ستصبح‌ مضمحلّة‌ هالكة‌؛ فبأيّ شي‌ء ـ إذاً ـ ستكون‌ العودة‌ في‌ عالم‌ البقاء؟

 ذلك‌ لانّه‌ ـ و حسب‌ الفرض‌ ـ لا شي‌ في‌ عالم‌ الفناء، و قد بطلت‌ زيديّة‌ زيد و أصبحت‌ مندكّة‌ معدومة‌. فبأيّ شي‌ء ستحصل‌ العودة‌ من‌ ثمّ الی البقاء؟

 إذ ليس‌ هناك‌ من‌ زيد و لا تعيّن‌ و لا عين‌ ثابتة‌؛ الكثرات‌ في‌ هذه‌ الحال‌ سواسية‌ بأجمعها، و كان‌ الرجوع‌ قد صار علی حدٍّ سواء لجميع‌ الموجودات‌ و الماهيّات‌ و الإنيّات‌، فإذا شاء زيد العودة‌، فبأيّ شي‌ء سيعود يا تري‌؟

 و في‌ أيّ شي‌ء سيعود؟ و تبعاً لذلك‌ فلن‌ يكون‌ للبقاء ـ اصولاً ـ من‌ معني‌ في‌ تلك‌ الحال‌.

 و بغضّ النظر عن‌ ذلك‌، فليس‌ في‌ الفناء من‌ شي‌ء، و لانّه‌ لا شي‌ء هناك‌ فبأي‌ هويّة‌ و إنيّة‌ سيتحقّق‌ عنوان‌ العودة‌ من‌ الفناء؟

 و تبعاً لذلك‌، فانّ البقاء سيتّخذ لنفسه‌ صورة‌ الحدوث‌ و الخلق‌ الجديد، فلقد كان‌ زيد و تحرّك‌ ثم‌ فني‌ و اندكّ في‌ الذات‌ البسيطة‌ و فني‌ و انعدم‌ دون‌ أن‌ يبقي‌ له‌ أثر؛ ثمّ انّ الله‌ تعالي‌ يخلق‌ انيّة‌ و عيناً ثابتة‌ اخري‌ و يخلق‌ فيها وجوداً و يتجلّي‌ فيها، و هو ما يمثّل‌ حدوثاً و خلقاً جديداً لا بقاءً بعد الفناء.

 لذا فانّ عالم‌ الكثرات‌ محفوظ‌ في‌ محلّه‌، و ستكون‌ الكثرات‌ موجودة‌ و متحقّقة‌ في‌ العالم‌ بعنوان‌ حقائق‌، و سيكون‌ لكلّ حقيقة‌ من‌ هذه‌ الحقائق‌ كمال‌ في‌ أقصي‌ نقطة‌ في‌ مسيرها فنحن‌ ندعوها الی هذا الكمال‌، و ليس‌ الكمال‌ معقولاً دون‌ بقاء العين‌ الثابتة‌.

 امّا لو قلنا أن‌ ليس‌ هناك‌ عند العود في‌ الفناء و في‌ المعاد من‌ شي‌ء غير الفناء و غير الفناء في‌ الله‌، و أن‌ ليس‌ هناك‌ من‌ كثرات‌ في‌ البين‌، فانّه‌ سيكون‌ قولاً لا يمكن‌ القبول‌ به‌.

 و في‌ حال‌ الخلق‌ الجديد التي‌ ندعوها بإسم‌ البقاء، فانّها لا تختصّ بهذا الموجود الفاني‌، بل‌ لانّ هذا الخلق‌ الجديد ـ تبعاً للفرض‌ ـ لا يرتبط‌ بذلك‌ الموجود الفاني‌، و لانّ العين‌ الثابتة‌ لا تبقي‌ لتوجب‌ الإرتباط‌ و حمل‌ هو هو، لذا فانّه‌ يمكن‌ عدّ أيّ! خلق‌ جديد بقاءً لايّ موجود فانٍ.

 فيمكن‌ ـ مثلاً ـ ان‌ نعتبر زيداً حال‌ البقاء بعد الفناء بقاءً لعمرو الفاني‌، أو نعتبر عمرو الباقي‌ بعد الفناء بقاءً لزيد؛ و هكذا فانّ بامكاننا اعتبار أيّ شي‌ء بقاءً لايّ شي‌ء، و بطلان‌ هذا الامر واضح‌.

 و لا يمكن‌ إخراج‌ الكلام‌ عن‌ مداره‌ بقراءة‌  إِنَّ سَعْداً لَغَيُورٌ  و أمثال‌ هذه‌ الروايات‌؛ كما انّ الآيات‌ القرآنية‌  الی اللَهِ تَصِيرُ الاْمُورُ  و أمثالها صحيحة‌ بأجمعها، لكن‌ المشكل‌ في‌ معناها؛ فهل‌ هي‌ تبيّن‌ فناء الموجودات‌ علی نحوٍ نزول‌ معه‌ أعيانها الثابتة‌ أم‌ لا؟ أتبيّن‌ الفناء علی نحوٍ تبقي‌ معه‌ الاعيان‌ الثابتة‌؟ و هذا المعني‌ هو المراد، لانه‌ يقول‌:  تَصِيرُ الاْمُورُ؛ فيجب‌ أن‌ تكون‌ اُمورٌ ما قد بقيت‌ لتصدق‌ صيرورتها الی الله‌.

  و لقد أُثبت‌ في‌ بحث‌ الفلسفة‌ انّ كلّ نوع‌ من‌ أنواع‌ المجرّدات‌ (مثل‌ الملائكة‌) متميّز متفرّد، فليس‌ هناك‌ في‌ الملائكة‌ عنوان‌ النوع‌ و أفراداً من‌ ذلك‌ النوع‌، لانّها مجرّدة‌ غير ماديّة‌، و لا جنس‌ لها و لا فصل‌. لذا فانّ كلّ نوع‌ من‌ المجرّدات‌ متميّز لا يتكرّر. و قد أُشكل‌ في‌ هذه‌ الحال‌ أن‌ كيف‌ تنزل‌ هذه‌ الانواع‌ المتميّزة‌ المتفرّدة‌ الی هذا العالم‌ مع‌ انّه‌ لا كثرة‌ لديها؟ و كيف‌ تُوجِد هذه‌ الكثرات‌؟

في‌ وحدة‌ جبرئيل‌ و كيفيّة‌ ارتباطه‌ مع‌ الموجودات‌ الكثيرة‌ في‌ الدنيا

 ليس‌ لدينا في‌ تلك‌ النشأة‌ الاّ جبرئيل‌ واحد و ميكائل‌ واحد لا أكثر؛ فبأيّ! كيفيّة‌ تتحقّق‌ منهما هذه‌ الكثرات‌ و الآثار الكثيرة‌ التي‌ تمثّل‌ آثارهما الوجوديّة‌؟

 أجابوا: بواسطة‌ التعيّن‌ الإسمي‌ الذي‌ يمتلكانه‌. فالكثرات‌ تحصل‌ في‌ الخارج‌ بواسطة‌ هذا التعيّن‌، و لا تزول‌ خصوصيّة‌ الكثرة‌. و لهذا الجانب‌ فانّ الفرد لدينا ليس‌ واحداً، بل‌ هو آحاد و أفراد مختلفة‌ و كثرات‌ متباينة‌، الاّ انّه‌ ـ علی أيّ! حال‌ ـ لا يمكن‌ اثبات‌ الكثرة‌ لها بحيث‌ يكون‌ لها كثرة‌ حقيقيّة‌ ان‌ جبرئيل‌ واحد، و فردئٌ من‌ نوع‌ مجرّد، فهو يأتي‌ الی هذا العالم‌ فيوجد نوعاً من‌ الكثرة‌ بواسطة‌ الارتباط‌ الذي‌ يمتلكه‌ مع‌ هذا العالم‌.

 و لان‌ جبرئيل‌ يمتلك‌ تعيّناً إسميّاً و وحدة‌ عدديّة‌، فانّه‌ يقف‌ في‌ مقابل‌ ميكائيل‌ و عزرائيل‌ و إسرافيل‌؛ الاّ انّه‌ باعتبار امتلاكه‌ تعيّناً اسميّاً، فانّه‌ ـ لهذه‌ الجهة‌ ـ ينتشر في‌ جميع‌ العالم‌ كالشمس‌ و يُوجِد الكثرات‌.

 انّ الشمس‌ واحدة‌ و نورها واحد أيضاً، الاّ انّ هذه‌ الشمس‌ الواحدة‌ توجد نوعاً من‌ الكثرة‌ بلحاظ‌ إشراقها و سطوعها علی أكان‌ متعدّدة‌، فهي‌ تشرق‌ علی ألف‌ موضوع‌ فتُدعي‌ في‌ كلّ موضوع‌ بإسم‌ ذلك‌ الموضع‌ و توجد ألف‌ فرد.

 انّنا لا نتملك‌ سبيلاً الی جبرئيل‌ الكثير، بحيث‌ تكون‌ حقيقته‌ متعدّدة‌، و يكون‌ له‌ أفراد كثيرون‌، و لكن‌ و مع‌ وجود وحدته‌ بسبب‌ التعيّن‌ الذي‌ له‌، فانّه‌ يوجد الكثرة‌ في‌ العالم‌. فهو بنفسه‌ غير متكثّر، الاّ انّه‌ يوجد الكثرة‌.

 قُلْ مَن‌ كَانَ عَدُوًّا لِجِبرِيلَ فَإنَّهُ نَزَّلَهُ  علی قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَهِ. [3]

 

      
  
الفهرس
  المقدّمة..
  الابحاث‌ القرآنيّة‌
  الابحاث‌ الفلسفيّة‌
  بحث‌ في‌ نفي‌ التثليث‌ (الاقانيم‌ الثلاثة‌).
  الآيات‌ الواردة‌ في‌ القرآن‌ الكريم‌ في‌ نفي‌ التثليث‌
  القول‌ بوحدة‌ الله‌ و القول‌ بالتثليث‌ يمثّل‌ تناقضاً
  الوحدة‌ الحقيقيّة‌ و الكثرة‌ الحقيقيّة‌ لا يجتمعان‌ في‌ موضوع‌ واحد..
  جميع‌ مذاهب‌ المختلفة‌ المسيحيّين‌ المختلفة‌ تشترك‌ في‌ أصل‌ التثليث‌
  بيان‌ القرآن‌ في‌ شأن‌ أدب‌ عيسی‌ عليه‌ السلام‌(التعلیقة).
  في‌ حقيقة‌ توحيد ذات‌ الحقّ تبارك‌ و تعالي‌
  في‌ تشكيك‌ الوجود و وحدة‌ العرفاء.
  وجود الذات‌ القدسيّة‌ للحقّ تعالي‌ واحد شخصي‌ّ
  سبب‌ نفور الكفّار و اشمئزاز قلوبهم‌ من‌ ذكر توحيد الحقّ تعالي‌
  في‌ معني‌ الآية‌ الكريمة‌: ألَهَـكُمْ التَّكَاثُرُ حَتَّي‌ زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ.
  الإشكال‌ الوارد علی تشكيك‌ الوجود.
  في‌ بيان‌ موضوع‌ تشكيك‌ الوجود و موضوع‌ وحدة‌ العرفاء بالله‌
  بيانٌ شاف‌ حول‌ تشكيك‌ الوجود و وحدة‌ الوجود.
  في‌ حقيقة‌ توحيد الحقّ تعالي‌ و تقدّس‌
  الذات‌ القدسيّة‌ الالهيّة‌ أعلي‌ من‌ كلّ إسم‌ و رسم‌ و تعيّن‌
  في‌ حقيقة‌ معني‌ « النَّفْسُ جِسْمَانِيَّةُ الحُدُوثِ رُوحَانِيَّةُ البَقَاء»..
  ابتداء و أصل‌ خلقة‌ الإنسان‌ من‌ الارض‌
  قوسا نزول‌ و صعود الإنسان‌ في‌ مدارج‌ الكمال‌
  في‌ بقاء الاعيان‌ الثابتة‌ عند الفناء في‌ الذات‌ الاحديّة‌
  في‌ معني‌ الإنيّة‌: بیَنِي‌ وَ بَيْنَكَ إِنّیِّي‌ يُنَازِعُنِي‌
  في‌معني‌: وَ مِن‌ غِيرَتِهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَ مَا بَطَنَ...
  في‌ وحدة‌ جبرئيل‌ و كيفيّة‌ ارتباطه‌ مع‌ الموجودات‌ الكثيرة‌ في‌ الدنيا
  في‌ معني‌ الفناء في‌ الله‌، و معني‌ الفداء، و حقيقة‌ العدم‌ و خلع‌ لباس‌ التعيّن‌
  >>جميع‌ الموجودات‌ متوجّهة‌ الی عالم‌ الفناء‌، و ليس‌ من‌ شي‌ء الاّ الله‌، لا هو الاّ هو
  إن‌ كانت‌ الاعيان‌ الثابتة‌ تفني‌، فانّ معني‌ فناء الموجود في‌ الله‌ لن‌ يكون‌ صادقاً
  في‌ معني‌ الاشعار الغزليّة‌ أنشدها العلاّمة‌ نفسه‌ في‌ الفناء في‌ الله‌
  في‌ معني‌ سجود عالم‌ السواد و عالم‌ الخيال‌ و عالم‌ البياض‌ للحقّ تعالي‌ و تقدّس‌
  في‌ حقيقة‌ احتراق‌ الفراشة‌ في‌ الشمع‌، و الامّ في‌ النار، و فناء الاشياء
  هل‌ يبقي‌ الضمير حال‌ الفناء أم‌ يهلك‌ هو الآخر؟
  حين‌ نقول‌ «فنی‌ زيد»، فانّ زيداً يجب‌ أن‌ يكون‌ موجوداً، و اًلاّ لما صدق‌ الفناء
  في‌ حقيقة‌ معني‌: وَ مَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَهَ رَمَي‌
  في‌ البيان‌ الوارد في‌ «الفتوحات‌ المكيّة‌» في‌ بقاء الاعيان‌ الثابتة‌ حال‌ الفناء
  في‌ تبديل‌ و تبدّل‌ الهويّات‌ مثل‌ تحوّل‌ دودة‌ الماء بعوضة‌؛ و معني‌ الكريمة‌ الشريفة‌: لِمَنِ...
  في‌ حقيقة‌ معني‌ آية‌: وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ
  في‌ حقيقة‌ رجوع‌ الحمل‌ في‌ «فني‌ زيد» و «صارت‌ دودة‌ الماء بعوضة‌» و غير ذلك‌
  في‌ معني‌: كَانَ اللَهُ وَ لَمْ يَكُن‌ مَعَهُ شَيْءٌ وَ الآنَ كَمَا كَانَ
  بقاء الضمير أخيراً في‌ جميع‌ أقسام‌ الفناء ليصدق‌ الفناء، و ذلك‌ الضمير عبارة‌ عن‌ الاعيان‌ الثابتة‌
  استدلال‌ الشيخ‌ عبدالكريم‌ الجيلي‌ بآية‌: وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ في‌ فناء جميع‌ الموجودات‌
  معني‌ فناء الإنسان‌ هو الإندكاك‌ في‌ وجود الله‌ و إلغاء التعيّن‌ و مشاهدة‌ حقّ جماله‌
  الوحدة‌ الحقّة‌ للذات‌ الاحديّة‌ لا تحمل‌ أيّ تعيّن‌ أو تقيّد
  في‌ معني‌ الرباعي‌ الخمري‌: رَقَّ الزُّجَاجُ وَ رَقَّتَ الخَمْرُ
  في‌ معني‌: مَا يَتَقَرَّبُ الی عَبْدٌ مِن‌ عِبَادِي‌ بِشَي‌ءٍ أَحَبَُُّ...
  في‌ معني‌: إِلاَّ عِبَادَ اللَهِ الْمُخْلَصِينَ أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ
  النعم‌ الماديّة‌ و المعنويّة‌ لا يمكن‌ أن‌ تكون‌ قسريّة‌
  الابحاث‌ العرفانيّة‌
  كيفيّة‌ نزول‌ الوحي‌ علی رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌
  كيفيّة‌ نزول‌ الوحي‌ علی رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ و آله‌ و سلّم‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی