معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 ـ المحاضرة 1: الأمل العظيم هو مقام الخلافة

_______________________________________________________________

هو العليم

سلسلة شرح دعاء أبي حمزة الثمالي للعام 1434 هـ

المحاضرة الأولى:
الأمل العظيم هو مقام الخلافة

ألقيت هذه المحاضرة في الليلة الثانية من ليالي شهر رمضان المبارك

 

ألقاها:
سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ باللـه من الشيطان الرجيم
بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد للـه ربّ العالمين
و صلّى اللـه على سيّدنا ونبينا أبي القاسم محمّد
اللـهم صل على محمد وآل محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين
واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

«فإن كرمك يجل عن مجازاة المذنبين»، الظاهر أننا وصلنا إلى هنا، لا أعلم هل تحدثنا عن الفقرة السابقة أم لا؛ «ولا تؤاخذني بأسوأ عملي فإن كرمك يجل عن مجازاة المذنبين حلمك يكبر عن مكافاة المقصرين».

    

معنى العظمة

بعد أن قال الإمام «عظم يا سيدي أملي وساء عملي»، أي أن أملي كبير ومطالبي كثيرة ولدي أمانيّ عظيمة جداً، هي ليست قليلة وليست صغيرة، فما هي هذه الأماني والآمال والمطالب التي يطلبها الإمام، والتي يعبّر عنها بأنها عظيمة جداً؟ هل المراد بها الجنة والحور الغلمان وسائر النعم التي تمّ توصيفها لنا بأوصاف العوام؟ فهل هذه هي العظيمة؟ يعني هل أنّ ما يريد أن يمنّ به علينا في الجنّة هي شيء عظيم؟
في الواقع، لا ينبغي أن تكون الحور عظيمة جدّاً، بل يجب أن تكون في حجمنا، أما أن تكون كبيرة وعظيمة؛ بأن يكون رأسها في المشرق وآخرها في المغرب فلا فائدة فيها.. ولا أعتقد بأن في المسألة لطفاً [ضحك]... أو أن تكون الغلمان كذلك، فهذا يعني أنه ينبغي أن يكون نفس الإنسان في هذا الحجم، وهذا ما سيسبب مشاكل... فهل يريد الإمام بصفة العظمة هو أن تكون الحور بهذا الحجم؟ وكذا غيرها من النعم؛ من الفواكه وثمار الجنة والتفاح والبرتقال وغيرها مما ذكر في حدود فهم العوام، أما ما يذكره العظماء حول هذه الأمور فهي شيء آخر.
فهل صحيح أن الإمام عليه السلام يضفي على هذه النعم الظاهرية للجنّة التي لها جهة صورية عنوان العظمة؟ بمعنى أنه يقول: إلهي ما أريده منك هو أن تمنحني في الجنة من الحور والغلمان؛ فإنها عظيمة جداً، والحال أن عملي لا يمكن أن يوصلني إلى نيل هذه المرتبة من العظمة؛ «وساء عملي»، أي عملي ناقص وغير وافٍ، وفي مقابل هذا العمل وهذا الفعل لا يمكنني أن أصل إلى العظيم من نعم الجنة، ثم يستمر الإمام بدعائه بعد ذلك.
حسناً، في مقابل ما نعرفه من منح اللـه البشر مقام الخلافة وذاك المقام الكبير؛ كيف يمكننا أن نوجّه هذا الكلام؟! ما هو التوجيه الذي يحتمله؟ يعني مقام خلافة اللـه ذاك وتلك المرتبة من حيازة الأسماء والصفات الإلهية الموجودة في الإنسان تقتضي هل تقتضي الجلوس مع الحور العين والضحك والسرور والابتهاج والقيام ببعض الأعمال فقط، بالإضافة إلى تناول بعض الفواكه كالتفاح والبرتقال والإجاص وغيرها من النعم؟ نعم لدينا في أخبار وآيات دالّة على وجود نعم وأمور في الجنّة، ولكن من المسلّم بأن الخصوصيات التي ذُكرت في الأخبار بالنسبة إلى هذه النعم تختلف اختلافاً فاحشاً عمّا نشاهده ونعيشه في هذا العالم، وهذا محفوظ في مكانه، لكن هل المسألة هي في هذا الحدّ فقط؟ يعني أنّ ذلك المقام الذي منحه اللـه تعالى للإنسان بجَعْلِه في موضع الخلافة، وذلك التشرّف بلباس الشرف وبالكرامة وجَعْلِه خليفتَه واجداً للأسماء والصفات هو هذا الأمر فقط؟! فهذا ليس شيئاً حتى يأتي الإمام عليه لسلام ويطلق عليه لفظ العظمة، فيقول: إلهي مناي وطلبي كبير جدّاً! فهل مناه هو الوصول إلى الحور العين؟! فحتّى لو فرضنا أن جمال الحور العين لا نظير له في هذا العالم! ففي النهاية هو غير خارج عن الجمال! ولو فرضنا أنّ تلك الطعمات والحلاوة الموجودة في فواكه الجنان غير موجودة في هذا العالم، نقول هذا صحيح! فالخصوصيات التي تتصف بها النعم الإلهية في عالم الكون والفساد غير موجودة هناك! والتطوير الموجود هنا غير التطوير الموجود هناك، إذ هناك تتبدّل جميع هذه الأمور آناً بعد آن إلى نور وتصير مجرّدة، تتبدّل إلى معرفة بسبب عدم تناهي المقام الربوبي، وبالتالي عدم انتهاء مقام الأسماء والصفات الإلهية، هذا كلّه محفوظ في محله، لكن ما هي هذه المرتبة التي يعبّر عنها الإمام عليه السلام بالعظمة وبالكُكر؟

    

الأمل العظيم هو طلب مقام الخلافة

ذلك المقام الذي يعطيه اللـه تعالى للإنسان الذي بواسطته يقول: «عبدي أطعني حتّى أجعلك مِثْلي أو مَثَلي أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون»، أو ما ورد: «فأصير سمعه الذي يسمع به وعينه التي يبصر بها»، أو ذاك المقام الذي تجاوزه النبي ولم يستطع جبرائيل أن يصل إليه في المعراج، وقال: «لو دنوت أنملة لاحترقت»، أي لو ارتفعت ولو بمقدار بسيط فإنّ سعتي الوجودية لا تتحمّل، بل سوف أحترق بتلك النار وسوف أندكّ وأفنى

اگر يك سر موي برتر پرم
                             فروغ تجلي بسوزد پرم


(لو اقتربتُ قيد أنملة لأحرقَ نور تجلّيه تعالى جناحي)
{فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً}[1] فإنه بتجلّي الذات صار صعقاً، ومن الواضح أنّ هذا التجلّي ليس هو مراد جبرائيل، فإنّ {قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى}[2] الذي وصل إليه النبي، ولم يستطع نفس جبرائيل الأمين الملك المقرّب والذي كان من خلاله ينزل الوحي على النبي وسائر الأنبياء والمطّلع على اللوح المحفوظ وجميع الأنبياء بحاجة إليه في مراتب المعرفة.. جبرائيل هذا هو الذي قال للنبي أنا لا أستطيع التقدّم أكثر من هذا المقام. وليس المراد بذلك هو المقام الظاهري، بل المراد هو الحركة الطوليّة والسير التكاملي الذي كان للنّبي نحو الباري تعالى، فإنّ النبي عندما أراد أن يتجاوز مقام الأسماء والصفات وأن يصل إلى مقام الذات هناك زلّت قدم جبرائيل؛ إذ ليس لديه استعداد للوصول إلى هناك، لم يكن لديه قدرة على الاستمرار في السير، فتوقّف في تلك المرتبة، ولم يتقدّم. ففي تلك المرتبة لا وجود لجبرائيل، حيث لو فرضنا أنّنا وضعنا الماء في درجة حرارة معيّنة، فكم يستطيع الماء أن يتحمّل الحرارة ويحافظ على وجوده في ظل الحرارة؟ حتماً إلى حد مائة درجة، لكن إذا وصل إلى مائة أو أقل بقليل ترى هذا الماء بدأ بالتحرّك شيئاً فشيئاً، إذ بدأ يتحوّل إلى بخار، ثم بعد مدّة ترى أنّه لا وجود للماء في الوعاء، فقد تبخّر!

    

مقام الخلافة لا يستطيع حتى جبرائيل الوصول إليه

إنّ جبرائيل له سعة واحدة من الوجود، وتلك السعة يقال له فيها ملك الوحي، والملك المقرب لله، والملك الذي يمنح الأنبياء والأولياء مراتب المعرفة ويفيض عليهم مراتب الجلال والجمال.. الملَك الذي بواسطته تفاض جميع علوم العالم ، ما سوى اللـه ، وتصل إلى جزئيتها وتجد لها مصادقاً؛ فهذا العلم الذي لديك الآن في أيّ مجال كان ـ سواء في الهندسة أو الطب أو العلوم الإسلامية والفلسفة أو التاريخ أو الرياضيات والميكانيك أو أي شيء تتصوّره ـ هو عبارة عن العلم الجزئي والمرتبة النازلة من علم جبرائيل الذي يتشكّل هنا بهذه الصورة وهناك بتلك الصورة، هنا بشكل قليل وهناك بشكل كبير.. فإنّ هذه العلوم جميعاً تحت إفاضة ملك العلم والمعرفة، فضلاً عن أصل مراتب العلم والمعرفة، فإنّ هذه العلوم ظاهريّة، وهناك علوم باطنيّة ومراتب لها. إنّ مثل هذا الملَك مع هذه السعة الوجودية التي يمتلكها لا يمكنه البقاء إلاّ في هذه المرتبة، لكن إذا كان هذا الملَك قد وصل في حركة سيره إلى مكان هو فوق سعته الوجودية فعندئذٍ لن يستطيع البقاء، وهناك لا وجود لجبرائيل، (لأحرقَ نور تجلّيه تعالى جناحي) المراد بالتجلّي هو التجلّي الذاتي، حيث لا يبقى في ذاك التجلّي الذاتي لا جبرائيل ولا ميكائيل ولا إسرافيل، لا يبقى هناك أحد، بل الذي يبقى هناك هم الخلائق التي لديها استعداد لتلقّي التجلّي الذاتي، وهم البشر؛ أحدهم هو رسول اللـه، منهم أمير المؤمنين منهم سائر المعصومين الاثني عشر: السيدة فاطمة الزهراء وأبنائها، فهؤلاء هم في المرتبة العالية، وبعدهم يأتي مواليهم وأولياؤهم وأولياء اللـه الذين ساروا في هذا الطريق وطووا المراحل، لم يقتصروا فقط على قراءة الكتب، فإنّ قراءة الكتب تترك الإنسان في هذا الحد فقط لا أكثر.

    

قصة توسيع الحرم المكي على زمن الإمام الكاظم عليه السلام

اليوم كنت أنظر في الكتاب الذي تم طبعه مؤخراً (كتاب الاجتهاد والتقليد للمرحوم العلامة)، وقرأت مقدمته، حيث نقلت هناك مسألة لا بد أن الرفقاء قرأوها[3]، وهي أنّه في يوم من الأيام تشرّف أحد علماء طهران بالذهاب إلى مشهد؛ حيث توفّي أحد أقربائه وكنت برفقة المرحوم العلامة في التشييع وكان ذلك في الشتاء، وبعد مدّة أتى إلى منزلنا ليقدّم الشكر، وجرى حديث عن المنازل التي يتم هدمها لتوسيع حرم الإمام الرضا عليه السلام، وأنّ هناك مدرسة دينية هُدمت في هذا المشروع وما إلى ذلك، وكان منزعجاً من هذه الأمور، وقال بأنّ المدرسة وقْف وتخريب الوقف حرام، فالحرمة مسألة شرعية لا يمكن لأحد أن يرتكبها، ولا يمكن لأحد أن يضع يده على الوقف، فالحرم وإن كان صغيراً ولا يسع الزوار لكن الزيارة مستحبة وتخريب الوقف حرام، ولا يمكن أن نضع الأمرين في خانة التعارض، وأمثال هذا الكلام. إلى أن قال: ذهبت إلى طهران وتحدّثت مع شخص كان لا يزال على قيد الحياة والآن انتقل إلى رحمة اللـه، وكان متأثراً جدّاً من هذا الكلام ومنزعجاً من ذلك، وحمل التلفون واتصل بالمسؤولين حتى لا يقع هذا الأمر، لكن كانت الأمور قد حصلت قبل ذلك...
وبعد أن انتهى من حديثه قال المرحوم العلامة: ورد أنه في زمن الإمام موسى بن جعفر ـ ظاهراً وإن كانت هذه المسألة مروية في زمن المنصور الدوانيقي أيضاً ـ كان زوّار بيت اللـه قد كثروا وضاق عليهم المكان، فجمع المنصور الفقهاء واستشارهم بما ينبغي فعله، وقال لقد اشترينا العديد من المنازل حول الحرم، ولكن البعض لا يريد البيع، فماذا نفعل؟ هل نأخذ هذه المنازل من أصحابها غصباً؟ والحال أنه لا يمكن أن نضمّ الغصب إلى المسجد. ومن جهة أخرى، المكان لا يسع الزوار والحجاج. فقال الفقهاء جميعهم: لا يمكن ذلك، فإنّ رضا أصحاب المنازل شرط، ولا يمكن أخذ مال الغير دون رضاه. بعض من كان هناك قال: الحل ّعند موسى بن جعفر، حيث كانت الحلول كلّها تعود في النهاية إليهم، كما هو الحال عند الأول والثاني؛ حيث كانا يلجأن إلى أمير المؤمنين لحل ما يعترضهم من مشكلات، وبعد أن يحلّ لهم المشكلة كانوا يتركونه في منزله، هكذا كان عملهم دائماً ولا زال. فأرسل رسالة إلى الإمام موسى بن جعفر إلى المدينة، يا إبن رسول اللـه لقد وقعنا في مشكلة، فقد اشترينا منازل حول المسجد، ولكن بعضهم لا يريد أن يبيع، ومهما دفعنا له لا يريد البيع، فماذا نفعل؟ فأجاب الإمام: اسألهم هل أنتم أتيتم إلى هنا أولاً ثم بنيت الكعبة، أم أنّ الكعبة هي التي كانت وأنتم بنيتم حولها؟ فإن كان وجود الكعبة هو السابق، فإن ضاق المكان فحقّ التقدّم ومنح المكان إنما هو لحجاج الكعبة، لا لكم، بل عليكم أن تذهبوا وتبنوا في مكان آخر، فإن رضوا بالقيمة العرفية التي تعطيهم إياها، وإلا فاهدم منازلهم وأعطهم قيمتها سواء رضوا أم لم يرضوا!
عندما وصل جواب الإمام، تحيّر الجميع منه وتعجبوا من جوابه: هل الكعبة هي التي بنيت أولاً وبعد ذلك أتيتم أنتم، أو أنكم أنتم الذين أتيتم في البداية ثم بنيت الكعبة على شرفكم، وبعد ذلك دعا الفقهاء وسألهم هل تقبلون بهذا الكلام أم لا؟ وعلى كل حال تم العمل بهذا الأمر، فهدمت البيوت وأجريت التوسعة.

    

صعوبة فهم كلام العظماء من قبل الناس العاديين

وما إن انتهى المرحوم العلامة من نقله هذا حتى انتفض ذاك العالم وقال ماذا تقول سيدنا! فكلامك هذا مثل من لا يجد ماء للإتيان بغسل الجمعة المستحب، فيقوم بسرقة مال الغير لشراء ماء الغسل. فإن سرقة المال حرام، بينما غسل الجمعة مستحب. وهنا كذلك؛ فزيارة الإمام الرضا مستحبة، أما هدم الوقف حرام، فلا ربط بين ما ذكرته وبين ما نحن فيه.
ثم أتى بدليل آخر فقال: الكعبة بنيت أولاً ثم أتى الناس وسكنوا حولها، أمّا هنا فالإمام الرضا هو الذي ورد على الناس؛ حيث كان هناك قرية باسم سناباد وعندما قتله المأمون في طريق عودته إلى بغداد دفنه فيها، إذاً الإمام هو الذي دخل على الناس في هذه القرية، لا أنه كان قبل الناس فيها. وبعد ذلك لم يتكلّم المرحوم العلامة بشيء بل بقي ينظر إلى هذا الرجل وما يقوله.
وفي اليوم التالي، كنت برفقته ذاهباً إلى الحرم، فقلت له: بالنسبة إلى ما جرى بالأمس أعتقد بأن هؤلاء لا يفهمون كلامك حتى يفكّروا فيه ويناقشوه، يعني أنك تكلّمت من أفق لا يمكن لهؤلاء الأشخاص فهمه حتى يروا ما فيه من سقم أو صحة. فمثلاً إذا أردت أن تحدّث طفلاً ذا خمس سنوات لا يمكنه أن يفهم شيئاً من كلامك.. بعد ذلك قال المرحوم العلامة: نعم! فهؤلاء يعلمون ظاهر بعض الأحكام فقط، وبعض المفاهيم من الألفاظ، فأنى لهم الوصول إلى متن الواقع وحقيقة الدين؟ ألف وقف وأمثال الوقف ينبغي أن تكون فداء لزيارة الإمام الرضا عليه السلام، هؤلاء يرون أنّ استحباب زيارة الإمام الرضا عليه السلام مثل استحباب أكل الجبن بالجوز، فإنّ أكل الجبن وحده مكروه وأكله مع الجوز مستحب، أو عندما تريد الدخول إلى المرحاض ـ نعوذ باللـه من أن نقيس هذا بذاك ـ تدخل برجلك اليسرى، فهم لا يرون فرقاً بين استحباب دخول المرحاض برجلك اليسرى وبين زيارة الإمام الرضا عليه السلام؟ بل يعتبرون كلاً منهما مستحباً، وكذا لا يرون فرقاً بين استحباب أكل الجبن مع الجوز ورفع الكراهة به وبين زيارة الإمام الرضا، بل كلاهما مستحب. هذا ليس استحباب، بل الإمام الرضا هو كل شيء بالنسبة للإنسان، الإمام الرضا هو ديننا وعرضنا وغيرتنا ودنيانا وآخرتنا، وهو وجودنا وشريعتنا وطريقتنا وحقيقتنا، هو كل شيء بالنسبة لنا. بناء عليه ما هو الشيء الذي يمكنه أن يقف مقابل الإمام؟ في أي كتاب يمكنك أن تحصل على هذا المستوى من المعرفة؟ فهل يمكن ذلك؟ هل يمكن الوصول إلى هذا المستوى من الدراسات الفقهية؟ ومن خلال هذه المسائل والكتب المصطلحة والعلوم المتعارفة؟

    

مضاعفة ثواب الزيارة بزيادة المعرفة

إذاً لماذا رُوي من يزور الإمام الرضا فثوابه ثواب حجّ وعمرة، أو عشر حجج وعشر عمر، أو ألف حجّة وألف عمرة؟ فلمن هذه المراتب إذاً؟ لا بد أن يكون هناك شيء حتى يحصل هذا الثواب، وإلا فالإمام الرضا واحد في الحالتين جميعاً، فالمسألة هي في الزائر الذي يزيد أو ينقص من ثوابه، فأحدهم يزور ويأخذ ثواب حجّ وعمرة، والآخر يأخذ ثواب حجتين وعمرتين، والثالث يأخذ ثواب عشر حجج وعشر عمر.. فهنا نرى أن المسألة خاضعة لزيادة المعرفة، وهكذا الثواب يزداد إلى أن تصل المسألة أن الذي يزور هو ولي اللـه؛ مثل السيد الحداد عندما يذهب لزيارة الإمام الرضا، فما هو ثواب هذه الزيارة؟ ثواب زيارته هو ما ذكره النبي من أن كل ما تفرضه ثواباً لزيارته فليس يُحصى؛ ألف حجّة، عشرة آلاف حجّة مائة ألف حجّة، لا حدّ لها.
الزيارة الواحدة التي يزورها العارف الكامل، من أي أفق يزور ومن أيّ منطلق؟ هذه مراتب متفاوتة.
حسناً، عندما يقول الإمام «عظم يا سيدي أملي»، أيّ مرتبة من المراتب يريد؟ هل يريد مرتبة خبز الجنة وجبنها والجوز فيها؟ هل هذا هو الأمل العظيم؟ هو أن يذهب ويأكل الخبز والجبن في الجنة؟ أو يتناول التفاح والإجاص الجيّد؟ فهل هذا هو العظيم؟ أليس هذا مضحكاً؟ نحن الذين لا نفهم شيئاً نضحك من هذا الكلام! وأمّا إذا علمنا شيئاً فإنّ المسألة ستكون أعظم.

    

معنى الفداء بذبح عظيم في قصّة إسماعيل

أشرت فيما سبق إلى أنّ مسألة {وفديناه بذبح عظيم}[4]، حيث يحملها البعض على أنّ جبرائيل أتى بكبش من الجنة، وأمر إبراهيم بذبحه بدلاً عن إسماعيل.
المطلب الذي يطرح في المقام ـ دون النظر إلى الروايات وغيرها ـ هو هل أن الكبش الذي يأتي من الجنة يساوي شيئاً أمام النبي إسماعيل حتى يقول اللـه تعالى فديناه بذبح عظيم؟! إسماعيل الذي وصل إلى مقام الوحي وصار من جملة الأنبياء وبلغ مرتبة الخلافة.. هل قيمته تساوي الكبش لكي يقول اللـه تعالى وفديناه بذبح عظيم، أين عظمته؟! فإنه كبش، إما أن يكون مثل هذه الخراف التي نراها بيننا، أو أن يكون ـ بما أنه من الجنة ـ له خصوصيات أخرى، لكن ما ربط هذا بمقام النبي إسماعيل، فإسماعيل قد وصل إلى تلك المقامات العالية ويريد أن يصير مثل أبيه النبي إبراهيم! وبعد ذلك يقال له: لقد أرسلنا لفدائك كبشاً كبيراً له رأس كبير وذيل كبير.. أنظر إلى صوفه، أنظر إلى لحمه وشحمه، وصوته يصل إلى مكان بعيد.. هذا معنى العظمة! ألا يضحك الإنسان من هذا الكلام؟! لكن عندما ننظر في الروايات نرى أنّ المراد من الذبح العظيم هو ما جرى في كربلاء، فنعرف أنّ ذلك ممكن، وهذا هو الذي يمكن أن يكون فداء عظيماً لإسماعيل، إذ يستحق أن يوصف بالعظمة،بل لفظ العظمة قليل عليه، إذ لفظ العظمة لا يؤدّي المعنى المراد من العظمة الموجودة فيه وذاك المقام والموقعيّة التي لديه. وهناك شواهد وقرائن على ذلك.
حسناً، عندما يقول الإمام السجاد أملي عظيم! فما المراد من هذه العظمة التي يريدها الإمام؟! وفي مقابل هذا الأمل العظيم عملي لا يفي بالوصول إليه.
إن شاء اللـه تتمة المطلب تأتي في ليلة أخرى إذا وفّقنا اللـه تعالى لذلك.

    

معرفة قدر النعمة في إدراك شهر رمضان

الحمد لله لقد وصل شهر رمضان، ومنّ اللـه علينا أن أدركنا هذا الشهر الفضيل مرة أخرى، واقعاً عندما يدخل شهر رمضان يشعر الإنسان بأنّ أمطار الرحمة الإلهية قد بدأت، واللـه تعالى يقول لنا: ما فعلته في هذه السنة فقد فعلته، لقد أرسلت أمطار رحمتي، وعلى الإنسان أن يعرف قيمة ذلك. فكم من الأشخاص الذين كانوا معنا في السنة السابقة، وليسوا معنا هذه السنة، فقد أغلق ملفهم! إذ كلّ ما فعلناه انتهى، كم من الأشخاص الذين كانوا يتمنّون إدراك شهر رمضان، لكنّهم رحلوا قبل إدراكه! علينا أن ندرك قيمة أن اللـه تعالى منّ علينا بإدراك شهر رمضان السنة، إذ من غير المعلوم هل نبقى أحياء إلى السنة القادمة؟ والحال أنّه لا ضمانة لأحد في ذلك، فبناء على قول الدراويش بأنّ الحياة غنيمة، علينا أن نتعامل مع الجهة الفعلية،

صوفي ابْنُ الوَقْت باشد اى رفيق
                             نيست فردا گفتن از شرط طريق

(يا رفيقي كن صوفياً وكن ابن يومك، فإنّ من شروط الطريق ترك التسويف إلى غد).

    

ضرورة الاهتمام بالمراقبة والتوجّه ونبذ الخواطر والوساوس في شهر رمضان

ينبغي أن يزيد الإنسان من المراقبة والتوجّه، فعندما يشعر بأنّ خاطرةً من خواطر التعلّق قد حصلت لديه، عليه أن يعيد ذهنه ولا يدع هذه الخاطرة تدخل إلى ذهنه، فبعد أن تدخل يصعب إخراجها، فلا تدعها تدخل أصلاً، نعم، قد يحصل في البداية شيء من الضغط والإصرار لكن آثاره وتبعاته ونتائجه ستكون مفيدة. علينا أن نعلم بأنّه لا يعطى الإنسان كل شيء دفعة واحدة، بل يعطى بشكل تدريجي، فإن استطعنا التحرّك تدريجياً فبها، وإلا فسيأتي شهر رمضان ويذهب وسيكون نصيبنا منه قليلاً!
بناء على ذلك، علينا أن نعمل ما قيل لنا، ولا ندع الخواطر والوساوس الشيطانية تأتينا، لا نترك ذهننا يشتغل بما يجعلنا نميل أكثر إلى هذه الدنيا، لا ندع أنفسنا تتأثر بما يجري من أمور وأحداث، فهذه الأمور تمنعنا من الوصول إلى ما ينبغي الوصول إليه، فالدنيا لها أهلها ولها زبائنها، فلا نحمل همّ الدنيا، يقول المرحوم العلامة: لا تحملوا هم الدنيا فللدنيا زبائنها، شئنا أم أبينا للدنيا زبائن، وزبائنها كثر واقفون في الصف، هذا يقول أعطني حقّي وذاك يقول اعطني مالي، وهذا يقول: لا تنس حقي عليك! وذاك يقول سيدنا نحن هنا.. الجميع ينتظرون دورهم وهم واقفون في الصف،والصف طويل جداً لا يستطيع الإنسان رؤية نهايته[من كثرة الناس الواقفين فيه]، هؤلاء جميعهم زبائن الدنيا.. أمّا نحن فعلينا أن نقف في الصف الذي ليس فيه إلا ثلّة قليلة ليس أكثر، وإلاّ فلن نرى نهاية هذا الصف حتى بواسطة التلسكوب، فلو استطعنا أن نشاهد الهلال من وراء الأفق، لن نستطيع رؤية نهاية هذا الصف، فعلام نضع أنفسنا في هذا الصف؟! ونمزج أنفسنا مع هؤلاء الأشخاص ونخلط أفكارنا بأفكارهم، بل علينا أن نحصل من شهر رمضان هذا على نصيب وحظّ، وأن نتذوق شيئاً مما تذوقه العظماء في هذا الشهر، أن نفهم شيئاً منه، ويمكن أن نفهم ذلك بأن نجمع حواسنا ونركّز اهتمامنا ونخرج عن حالة التشتّت التي فيها، أن نعرف شيئاً عن مجتمعنا الواقعي، أن نخرج عن الاهتمام بالأخبار وأمثالها.. فإنها لا قيمة لها أبداً.. علينا أن نخرج ولو قليلاً كي نفهم، واللـه لقد عرفنا ما الذي يوجد في الدنيا، وعرفنا ما هي الأوضاع وماذا هناك، فهذا كاف، إلى متى نبقى نسعى وراء هذا وذاك، ونرى هنا ماذا جرى وهناك ماذا حصل! لقد رأينا ماذا حصل، فالإنسان يمكنه أن يفهم أوضاع الدنيا من خلال شهر واحد فقط، نعم يكفي شهر واحد ليعرف الإنسان ماذا هناك! يكفيه شهر واحد ليعرف الحقيقة ويفرّ من جميع هذه الأمور، لقد مرّ من عمرنا عشرات السنين، ألا يكفي ذلك؟! أم أننا نريد البقاء في هذه الحالة؛ نرى ما حصل هنا وما جرى هناك، أقول لكم: هذه السنة مثل السنة السابقة، والسابقة مثل التي كانت قبلها لا فرق بينهما أبداً، فالدنيا هي هذه، فيها العالي وفيها السافل، ومعرفة أنّ هذا الذي كان في الأسفل ارتفع وذاك هبط إنما هو لإشغالنا نحن، لذا علينا أن لا نقع في الفخ، فهل رأيتم ماذا جرى؟! ماذا قلنا وماذا جرى؟ لكن في النهاية انتهى كل شيء بتوجيه وتأويل وانتهى الأمر. لكنّنا فهمنا ماذا هناك، فإن فهمنا، علينا أن نتّجه بالاتجاه الآخر أكثر، لنرى ماذا هناك! فهؤلاء الذين أتوا وعرفوا.. أنظروا إلى المناجاة الخمسة عشر للإمام السجاد عليه السلام لنرى ما الذي فعلوه، واقعاً ما الذي فعله الإمام السجاد! هل يوجد في هذه المناجاة أن شغّل الراديو واستمع إلى الأخبار؟! هل ترى في المناجاة الخمسة عشر هذه العبارة؟ أو افتح التلفزيون وشاهد ماذا يجري في القسم الآخر من الدنيا، من كرة القدم، ومن الذي ضرب ومن فاز، هل تجدون في المناجاة شيئاً من ذلك، هل تجدون في المناجاة من الذي صار رئيساً ومن صار مرؤساً ومن صار سيّداً ومن ارتفع ومن هبط... أصلاً ليس فيها شيء من ذلك! والحال أن الإمام كان يعيش في عصره، ألم يكن في عصر الإمام مثل هذه الأمور؟! لماذا لم يتحدّث بذلك، لماذا تحدّث الإمام بشكل آخر؟
انظروا إلى دعاء أبي حمزة، يكاد يذهب بعقل الإنسان، إنّه يُري الإنسان الطريق ويبين له الأخطار، ويقول: إذا أردت أن تمشي في هذا الاتجاه، فلن يكفيك عمر نوح فقط، بل لن يكفيك عمر خلق الدنيا كله، بل ستبقى واقفاً مكانك تتخبّط، وأمّا إذا أردت التقدّم فعليك أن تأتي وتستمع لهذا الكلام وتعمل به.. تفضّل فهذا ميدان العمل. ولينظر الإخوة ماذا يفعلون.

اللـهم صل على محمد وآل محمد.


[1] ـ سورة الأعراف: جزء من الآية 143.

[2] ـ سورة النجم: الآية 9.

[3] ـ هذا الكتاب لم تتم ترجمته بشكل تام بعدُ، ولكنه في مراحله الأخيره.[المترجم]

[4] ـ سورة الصافات: الآية 107.

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->