معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
المقالات و المحاضرات > محاضرات آية الله السيد محمد محسن الطهراني > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ ق > شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ ـ المحاضرة 5: هل الوصول إلى الله متاح للجميع

_______________________________________________________________

هو العليم

شرح دعاء أبي حمزة الثمالي لعام 1434 هـ

المحاضرة الخامسة:
هل الوصول إلى اللـه متاح للجميع؟

ألقيت هذه المحاضرة في التاسع من شهر رمضان المبارك
لعام 1434 هـ

ألقاها:

سماحة آية اللـه السيّد محمّد محسن الحسيني الطهراني
حفظه اللـه

_______________________________________________________________

تحميل ملف البد دي أف تحميل ملف البد دي أف

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بِسمِ الله الرَّحمَنِ الرَّحيم
وصلَّى اللهُ عَلَى سيّدنا ونَبِيّنا أبي القاسِمِ مُحمّد
اللهمّ صلّ على مُحمّد وآل مُحمّد
وعَلَى آله الطّيّبين الطّاهِرينَ واللّعنة عَلَى أعدائِهِم أجمَعينَ

عَظُمَ ياسَيِّدِي أَمَلِي وَساءَ عَمَلِي، فَأَعْطِنِي مِنْ عَفْوِكَ بِمِقْدارِ أَمَلِي وَلا تُؤاَخِذْنِي بِأَسْوَءِ عَمَلِي، فَإِنَّ كَرَمَكَ يَجِلُّ عَنْ مُجازاةِ المُذْنِبِينَ، وَحِلْمَكَ يَكْبُرُ عَنْ مُكافأَةِ المُقَصِّرِينَ.[1]

    

طريق الوصول إلى اللـه متاح أمام الجميع

تمّ استعراض أمور للرفقاء والاصدقاء فيما يتعلّق بهذه الفقرات من الدعاء. وذكرنا المراد من هذا الأمل الكبير، وماذا يجب أن تكون نظرة الإنسان تجاه الله. وذكرنا خطأ موقف الإحباط والضعف والوهن لبعض الأشخاص تجاه الله. فالله لا يُحبّ أن ينظر العبد إليه نظر سوء وعجز. فهل الله عاجز عن أن يُخرِج الأنسان من الحال الذي هو عليه؟ فهذا الحال الذي نحن عليه، ولأيّ سبب كان، سواءً كان بسبب تقصيرنا، أو تقصير المحيطين بنا، أو الاثنين معاً أو المجتمع، أو الأمور الشخصيّة، أو لأيّ سبب كان.. فلا بدّ من وسيلة للخلاص مما نحن فيه؛ لا يُمكن أن يُحكم علينا بالبقاء على هذه الدرجة وهذا الانحطاط إلى الأبد، فهذا خطأ، هذا ليس صحيحاً.
فأن يجلب الله الإنسان إلى هذه الدنيا، ويجعله في هكذا ظروف، بهكذا كيفيّة، بهكذا مميّزات، بهكذا مستلزمات، وهكذا استعدادات، ثم يحكم عليه بالحرمان إلى النهاية؛ بألاّ يكون لديه أيّ أمل للفرج والنجاة من هذا الوضع؛ فيقول: لا تُنمِّي في ذهنك أيّ أمل كبير، ولا تُخطر على بالك وضميرك وقلبك حلم الوصول إليّ! لماذا إذاً؟ فهل هو حِكرٌ على عدد محدود من أولياء الله والأنبياء والأئمة؟ وعلى الآخرين أن يذهبوا وراء مشاغلهم؟ ألسنا عباد الله أيضاً؟
فكلّنا عباد الله. وقد سبق وأن قلنا بأنَّ أولئك الذين ساروا ووصلوا إلى تلك المقامات الرفيعة، لم يكن حالهم هكذا منذ البداية. فلقد كانت لديهم أمور، وأخطاء وزلّات؛ كثيرة كانت أم قليلة؛ فهنالك قصص كثيرة في هذا المجال؛ قصص عن التغيّر والتبدّل الذي طرأ على هؤلاء الأشخاص؛ كيف كان ماضيهم؟ ما شاء الله! فإذا ما أُريدُ ذكرَ ماضي أحدهم وأراد الإنسان تذكّرها، فسوف نرى أنّ حالهم كان أسوأ من حالنا، ولقد كانت ذنوبهم وأخطاؤهم كبيرة جداً، ولكنَّنا نرى بأنَّ شرارة قد انقدحت دفعة واحدة، وجاءت نفحة ولاح حاجب للحبيب وظهر لهم جزء من ذلك الجمال الغير متناهي فأحرق وأعدم السّدى والّلحمة، وغيَّر حالهم إلى حال جديد. ونحن مثلهم إذاً فما الفرق في ذلك؟ ما الفرق؟ فنحن مثلهم؛ فإذا كنَّا مُذنبين، فهم كانوا مُذنبين أيضاً؛ وإن كنَّا خاطئين، فهم كانوا خاطئين أيضاً؛ وإن كانت لدينا زلاّت وأمور أُخرى، فلقد كانت لديهم أيضاً. والله لا يتعامل على أساس الوساطة والمحسوبيّة وما شابه ذلك، فتلك من شؤون هذه الدنيا، ولا يوجد هناك شيء من هذا القبيل، الأمر هنالك مبنيٌّ على حساب وكتاب، على أساس موازين، فهذا هو معنى الموازين القسط. فالقسط يعني في كل مكان ولأيّ سبب وبأيّ هدف، هذا معنى القسط.
فبنفس تلك النظرة التي ينظر الله بها إلى رسوله وأمير المؤمنين وسلمان والمقداد وأولئك الأصحاب والصالحين، ينظر إلى يزيد ومعاوية وأبي سفيان وعمر بن سعد وأمثالهم؛ بدون تفاوت؛ فأولئك هم الذين حرموا أنفسهم، وأولئك هم الذين أبعدوا أنفسهم. إنَّ الأمر ليس على هذه الشاكلة، بمعنى أنّ الله ينتقي، أي بأن يأخذ مجموعة من هذا القسم ويقول لهم: تعالوا أنتم إلى هذا الجانب، بينما يذهب الآخرون إلى ذلك الجانب وراء مشاغلهم، وعلى حسب درجاتهم فيجعل كلّ واحد على كيفيّة معيّنة.. كلاّ! إنَّ نظرة الله لعباده هي على نحو واحد؛ فالمائدة التي أعدّها إنّما هي للجميع. فلقد كان بإمكان عمر بن سعد أن يصل في ليلة عاشوراء إلى نفس المقام الذي وصل إليه الحرّ بن يزيد الرياحيّ، لكنّه لم يرد ذلك، وإلاّ لكان بإمكانه الوصول إلى نفس ذلك المقام. ثمّ إنَّ الإمام لم يكن قد نصح الحرّ بن يزيد بذلك المقدار الذي نصح به عمر بن سعد، بل كان ذلك من خلال حادث واحد؛ وذلك عندما اعترض [الإمام] حيث وبَّخه، غير أنَّه راعى الأدب ولم يُجب الإمام، مع أنَّه كان مستحقّاً لذلك؛ فبأيّ حقّ يقطع الطريق ويستعرض القوّة؟! لا معنى لذلك؛ فللإمام أن يقول له: ثكلتك أمّك. ولكنّه تأدَّب ولم يجب بشيء.

    

استخدام الإمام لبعض العبارات القاسية أحياناً

كنت أفكّر يوماً بالأحداث الواقعة [في التاريخ الإسلامي]، (علماً بأنَّه قد تمّ بحث هذا الموضوع مع البعض)، وذلك بأنَّه لا يمكن أن يكون الكلام في جميع الأحوال بالصيغة العرفيّة، فيرى الإنسان بأنَّ الكلام بهذا الشكل من الممكن أن يتسبّب في إيجاد شبهة لدى المُخاطب في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال نرى بأنَّ الإمام يقول عن ابن زياد: "ألا إنَّ الدَّعيّ ابن الدَّعيّ قدْ رَكَزَ بين اثنتين بين السلَّة والذلَّة وهيهات منَّا الذلَّة"، (يقول الإمام: كيف نستطيع وكيف يتقبّل ذهننا وكيف يتماشى مع سيرتنا تقبّل الذلَّة)؟
فالإمام يقول هنا هذا الدَّعيّ ابن الدَّعيّ. أو من أمثال ما صَدرَ عن أمير المؤمنين، على أنَّهم لم يكونوا يتلفظون بهكذا ألفاظ في جميع الأحوال.
كنت أفكّر يوماً بيني وبين نفسي بالسبب الكامن وراء ذلك؟ ألم يكن من الأفضل للإمام أن يستخدم عبارات أخرى؛ كأن يقول هذا الشخص المنحرف أو هذا الشخص الكذائي، فلا يستخدم هكذا ألفاظ حتّى تجاه معارضيه؟!
بعدها توصّلت إلى هذه النتيجة وهي: إنَّه يتوجّب على الإنسان أحياناً أن يتخطّى الحدود العرفيّة شيئاً ما، لأنَّه لو لم يفعل ذلك لما تمّ إدراك مغزى الكلام.
فعلى سبيل المثال: في واقعة كربلاء: من هم الأشخاص الذين جاءوا لمحاربة الإمام الحسين؟ هم ممّن كان يدَّعي الإسلام، ممّن كان يُقيم الصلاة والصيام وخطبة الجمعة وما شاكل ذلك؛ فلم يكونوا من الذين يسطون على بيوت الناس ثم جاءوا إلى كربلاء. كان عمر بن سعد إمام جماعة! وكان الشمر إمام جماعة في مسجد الكوفة! هذا الشمر.. ترون بأنَّ أسوء خلق الله يأتي ليصبح إمام جماعة ويقتدي به الناس. فابن زياد ينتقي هؤلاء لخداع الناس. وإلاّ لو كان قد جاء بشخص من هؤلاء السفلة والأشخاص المعلومي الحال والمكشوفين للناس، [لمواجهة] الإمام الحسين ابن رسول الله ومسلم بن عقيل وأمثالهم، فسيظهر الأمر للناس بشكل غير طبيعي؛ فعلى أقلّ تقدير سيتساءلون: ما الأمر؟ كيف يكون الأمر كذلك؟

    

اختلاف حالات عسكر ابن سعد في القسوة واللين

لذا نرى أنّ قضيّة علي الأصغر التي وقعت، قد أحدثت ضجّة بين العسكر، فعند شهادة علي الأصغر، اختلف الناس فيما بينهم. صحيح أنَّهم جاءوا جميعاً لقتال الإمام الحسين، إلاّ أنَّ لكلّ منهم ملفّه الخاص به. فلا يوجد بين أفراد العسكر من هو بقسوة الشمر قطعاً؛ فحتّى عمر بن سعد لم يكن بذلك المستوى أيضاً؛ فعمر بن سعد لم يكن راغباً بالبدء بالحرب، بل كان الشمر هو من ينفخ [بنار الحرب] ويُسخِّن الموقف؛ وإلاّ فإنَّ عمر بن سعد كان يريد حلّ المسألة سلميّاً، وذلك بإلقاء الخوف وبتهيئة الجيش.. حتّى يستسلم الإمام الحسين ويتصالح بشكل ما. فخلاصة الأمر لم يكن عمر بن سعد راغباً بالحرب، ولكنّ الأمور قد تطوَّرت وتطوَّرت حتّى رأى بأنَّ ابن زياد مصمّم على الحرب ولا يرى سبيلاً غيرها؛ ثمّ إنَّ الشيطان دخل على الخطّ أيضاً، فقال له: لقد وصلت إلى هذا الحد، وعليك استكمال المسير، فأنت نِعمَ الجندي الفدائي والمطيع.

    

خطورة ارتكاب المعصية وتأثيرها على النفس

فلتشمل العناية الإلهيّة حال الإنسان! فلهذا السبب نقول بأنَّ على الإنسان ألاّ يُقدِم على المعصية منذ البداية، فإذا ما خطوت خطوة باتّجاه المعصية، وتصرّفت بشكل مخالف للحقّ، ثمّ تجاهلت الحقّ في موضوع آخر.. فإنَّ الخطوة التالية ستكون أسهل؛ سيكون استعداد النفس لتقدّم الخطوة الثانية أيسر. لهذا السبب يؤكِّد العرفاء والعظماء على المراقبة؛ يقولون لا تخطُ الخطوة الأولى، وإذا ما خطوت خطوة المعصية الأولى، فعليك المبادرة إلى التوبة على الفور، عليك التوبة فوراً واتّخذ قرارك، وقم بهجوم مضاد.
إنَّ هذا هو سبب كلّ ذلك التأكيد من قبل العظماء، وذلك أنّ للنفس استعدادًا لكلا الجانبين في بداية الأمر؛ الخير والشر، فإذا قام الإنسان بالمعصية متجاهلاً فطرته، وأعرض عن الخير الموجود في فطرته (أعني تلك الفطرة الموجودة عندنا جميعاً) ، إذا فعلنا ذلك فسنجد أنّ نفسنا ستلومنا على ارتكاب هذا الخطأ والمعصية.
ولكنّك بعد ذلك ترى بأنَّك حين ارتكاب المعصية الثانية تكون قد فقدت تلك الصلابة والصرامة السابقة؛ فواغوثاه!
فما الذي يجب فعله والحال هذه؟ يجب القيام بعمليّة عكسيّة، ما هي العمليّة العكسيّة؟ عليك إيجاد ظرف ما ـ فإمّا أن يُوجِد الله ذلك، أو أنّ الإنسان هو الذي يُوجده إذا لم يحصل ذلك ـ فعلى السالك أن يكون نبهاً ذكيّاً..

    

ضرورة المسارعة للعمل بالحق وأثرها على النفس

كان المرحوم العلاّمة يقول بأنّني كنت أقوم بالكثير من الأمور قبل أن يأمر بها الأستاذ، كنت أقوم بذلك مسبقاً؛ كنت أقرأ في وجناته ماذا يُريد مني، وكنت أفهم مراده من خلال حركاته وسكناته وإشاراته، فكنت أذهب وأعمل ولم أدع المسألة تصل إلى إصدار الأمر.
لماذا؟ لأنَّ ذلك يجعل طيَّ المسير أيسر. فهو يقول لماذا أنتظر صدور الأمر؟
فعندما يكون الأمر على هذا المنوال، نرى الله يُلقي في قلب الإنسان باستمرار؛ فإذا أنجزت الموضوع قبل صدور الأمر، فأنجز الموضوع الثاني إذاً، والثالث؛ فهكذا تأتي الذبذبات تباعاً. فتضرب الصواعق الواحدة تلو الأخرى. فنرى هنا بأنّ أستاذاً يُعطي أحدهم عشرة أوامر، لا يُنفِّذ منها واحداً، بينما يُنجز شخص آخر مائة موضوع بدون تلقّي أيّ أمر. نعم مائة بدون أمر! فقبل صدور أيّ أمر تراه يذهب وينجز عمله ويطوي طريقه.
إنَّ لهكذا إنجازٍ من دون استلام الأمر من الأثر ما لا يكون لنفس هذا العمل بعد الأمر، نعم، لا يكون له! إنَّ تأثيره يكون أكبر ممّا لو طُلب من الإنسان إنجاز أمر، ثم قام بإنجازه وفقاً لذلك. إنَّه من الجيد بالطبع أن يقوم الإنسان بإنجاز الأمر، لأنَّه لا يُدرك بعض الأمور ولا بدّ من أن يقوم أحد العظماء بالتذكير، فهذا مما لا شك فيه.

    

كيفيّة استدراك الوقوع في المعصية والخطأ

يحصل أحياناً، ولأجل أن يُخرج الله الإنسان من تلك الحالة التي أخطأ فيها، أو ارتكب معصية، أو تجاوز الحق ... (إنَّ تجاوز الحق هذا [سيّء] جداً؛ فَلْيَعْصِ الإنسان ألف مرّة ولا يتجاوز الحقّ لمرّة واحدة، فتجاوز الحقّ، الكذب، قلب الحقّ باطلاً والظلم آه آه آه! إنَّها من الأمور التي تُمسك بخناق الإنسان بشدة) فلأجل أن يُنجي الله هذا العبد، يُعرِّضه إلى قضيّة أُخرى ليرى كيف يتصرّف، فإذا ما نجح في هذا الامتحان، تُرَمّم القضيّة الأولى ويعود مرّة أُخرى إلى مكانه الأول؛ فيرى في نفسه النشاط والانبساط بالنسبة للقيام بعمل الخير، وكراهة القيام بعمل الشر، بحيث لا يُريد فعله بعد، ولم يعد يُريد سماعه.
فإذا رأى بأنَّ الله لم يُوجِد هكذا قضيّة ـ لأيّ سبب ـ فلا ينبغي عليه الاستقرار، بل عليه أن يعمل شيئاً بحيث يُعاد عليه الامتحان الأول؛ فعليه إيجاد أمر ما، وتهيئة الأرضيّة لذلك، والتمثيل...
هل رأيتم أولئك الذين يُمثِّلون في الأفلام؟! ما شاء الله! ما شاء الله! هل رأيتم أولئك الممثّلين؟ يبكي أحدهم بالشكل الذي يبدو وكأنَّ ابنه قد مات! في الوقت الذي يضحك فيه بشدة في قلبه! ولكنَّه يُمثّل بالشكل الذي يُبكي فيه الإنسان؛ تلك هي قدرة الله! انظروا إلى أيّ درجة يستطيع الإنسان أن يُظهر خلاف واقعه الأصلي. فهذا هو حال أبناء الدنيا.
اى جان فداى آن كه دلش با زبان يكى ست
(يقول: نفسي فداء لذاك الذي يكون ما ينطق به موافقاً لما في قلبه).

    

من الجيّد جداً أن يتوافق اللسان مع القلب.

والحاصل يرتّب له [الله] موضوعاً، يكون فيه نفس خصوصيّات الأمر الذي حصل له في المرّة السابقة ولم يستطع تجاوزه، بل وضع قدمه على الحق، فيقوم هنا بإعطاء الحقّ لصاحبه. فيرى أنّه قد تغيّر دفعة واحدة؛ بسبب ذلك المشهد. من هنا يقولون بأنَّ على السالك أن يكون شاطراً، هذا هو ما يُقال عن أنَّه هو الذي يحِلّ المسائل بنفسه؛ لأجل هذا.

    

كيفيّة تعامل المرحوم العلاّمة في المجالس العامة

كنت أشاهد في بعض الجلسات.. بالطبع لقد كانت مكانة المرحوم العلاّمة رضوان الله عليه مشخّصة من الناحية العلميّة وأعلميّته معلومة لدى الأشخاص؛ الأقران والأقارب.. وكان يحصل أحياناً أن يتمّ طرح سؤال في المجالس التي يحضـرها أشخاص آخرون من أهل العلم، وبالطبع يكون هو ممّن تتوجّه إليه الأنظار، فيكون هو المُخاطب وإليه تتوجّه الأنظار على الرغم من وجود أشخاص آخرين؛ وكنت أُلاحظ بأنَّه لا يتكلّم، بل كان يترك الكلام للآخرين، وكان حال الآخرين معلوماً؛ فلا يُريد أحدهم أن يتنازل في هكذا جمع.. انظروا إلى أهل الدنيا كيف تكون تصرّفاتهم بالمقلوب.. ماذا قلت لكم الآن؟ قلت لكم: إنّ السالك الذكيّ هو ذلك الشخص الذي يكون دائماً [متيقّظاً، ولا يبرز نفسه، ولا يبادر للتصدّي].. إلّا في تلك الموارد الخاصّة التي يكون عنده تكليف طبعاً، فتلك محفوظة في محلّها، [ومن الواضح أنّه لا ينبغي أن نتعذّر بالتكليف كلّما شئنا]، فالأمر ليس دائماً بهذا الشكل... فالإنسان يعرف جيّداً، الإنسان يعرف جيّداً، {بَلِ الْإِنْسانُ عَلى‏ نَفْسِهِ بَصيرَةٌ}[2]؛ فالإنسان يعرف نفسه، ويعرف أين قد خالف الحقّ وتجاوزه، ونعرف جيّداً المواضع التي نحاول أن نسبق خصمنا ونتغلّب عليه، ونعرف أنفسنا عندما نكون في مجلس ويكون هدفنا هو أن نتفوّق على منافسنا.
في أحد الأيّام الماضية، كنت قد ذهبت لتلبية دعوة للإفطار، كان ذلك قبل فترة طويلة ـ كان في عهد الشاه ـ في قم، عندما كنت شاباً، أصغر من هذا السن؛ فالآن قد أصبحت شيخاً! (مزاح) ولكنَّني كنت شاباً عندها، لا تقولوا بأنّي قد صرت شيخاً.. والحاصل أنّي ذهبت إلى مجلس الإفطار في مثل هذا الشهر، وكان صاحب الدعوة من أصدقائي وزملائي في الدراسة؛ وكان هنالك جمع كثير من المدعوّين، منهم من توفّي ومنهم من لا يزال على قيد الحياة. رحم الله المرحوم السيّد رضا بهاء الدينيّ فقد كان من بين الحاضرين، وقد ذهب وجلس في الشُرفة. لم يكن يختلط بالجمع غالباً، فقد كان يذهب جانباً (وكان له عالمه الخاصّ به) بصحبة عدد من حواريّيه والمحيطين به؛ رحمه الله كان رجلاً طيّباً؛ كان من أهل الصفاء والباطن إلى حدّ ما؛ ولقد كان المرحوم الوالد يوصيني كثيراً بالذهاب لزيارته واللقاء به باستمرار؛ وكان يحصل لي التوفيق بذلك، وكنت أذهب إلى زيارته والاستفادة منه.
لقد كان هنالك عدد من السادة، لا أريد أن أكشف المستور أكثر من هذا! وعندما حان وقت المغادرة، رأيت تحرّكاً فيما بينهم؛ حيث توجد رسوم بشأن من ينهض أولاً، لأنَّه من الطبيعي بأنَّ من ينهض أولاً سينهض معه الآخرون، وهذا يعني بأنَّ هذا الشخص هو الأكبر وعلى الآخرين الخروج تبعاً لخروجه.
فرأيت بأنَّ اثنين أو ثلاثة من الأشخاص ينظر بعضهم إلى البعض من طرف خفي، ما الذي كان يدور في قلوبهم؛ لقد عرفت طبيعة الموضوع، فهذا يريد النهوض أولاً وذلك يريد النهوض قبله ليتم تسجيل [اختتام المجلس] باسمه! انظروا أيّها الرفقاء، لا يوجد تفاوت في الأمور الدنيويّة سواءً وقعت هذه الدنيا بيد مرتدي القبّعات والمعلّمين والمهتمّين بالأناقة ومرتدي ربطة العنق، أو بيدي ويد أمثالي، فالأمر واحد، لا تفاوت في ذلك، فالدنيا هي ما يجري في الداخل، تلك هي الدنيا.

    

اعتبارات أهل الدنيا وتعاملهم فيها

كنت أقرأ أحداث الحرب العالميّة الثانية (كنت في ذلك الوقت شابّاً جريئاً وكنت أقرأ الكثير من هذه المواضيع) فلفت انتباهي موضوع طريف جداً؛ إذ بعد هزيمة اليابان من قبل أمريكا نتيجة للقنابل النوويّة واستسلام اليابان، تقرّر أن يتمّ إعداد وثيقة للصلح وإنهاء الحرب. لقد كان قائد القوات الأمريكيّة في الشرق الأقصى هو ماك آرثر، على ما أتذكّر، في عهد الرئيس الأمريكي هاري ترومان (على ما في ذهني، إن لم أكن مخطئاً)، فتقرّر أن يحضر الإثنان في إحدى الجزر اليابانيّة، ثمّ يأتي القائد الياباني إلى هناك ويتمّ توقيع وثيقة إنهاء الحرب وينتهي الأمر.
لقد قتل في تلك الأحداث عدّة مئات من الآلاف بواسطة القنابل النووية. هذا هو حال البشر؛ حيث يصل به الأمر إلى هذا الحد إن لم يكن تحت التربية، ولا علاقة للأمر بأمريكا وغيرها، فالكلّ سواء في ذلك، نعم الكلّ سواء.
فكان مُقرّراً بأن يأتي قائد الجيش الأمريكي بطائرته، وجناب السيّد رئيس الجمهوريّة المكرّم المحترم [بطائرته] ليجلس الجميع مع بعضهم ويوقّعوا وثيقة إنهاء الحرب؛ فحصل أن وصلت كلتا الطائرتين إلى المكان في نفس الوقت. والعرف الرائج هو أنَّ من يصل أولاً يكون بحكم صاحب المقام الأدنى نسبة إلى ذلك الذي يصل متأخراً. وذلك على عكس المغادرة؛ فعند المغادرة يكون الشخص الذي ينهض أولاً ليغادر هو صاحب المقام الأعلى. تلك هي الآداب عليكم أن تتعلّموها؛ لأنَّها ستُفيدكم يوماً ما! لا قدَّر الله أن يحصل ذلك لنا يوماً ما، نحن نمزح ها، دعوا هذا للآخرين، نعم، دعوا تلك الآداب للآخرين. ولكن على أيّة حال، فإنَّ الإلمام بها ليس أمراً سيّئاً؛ فهو من متطلّبات الحياة، فإذا ما ساقنا قَدَرُنا إلى أن نتورّط بهكذا أمور وأردنا أن نأتي مبكّرين، نغادر متأخّرين؛ أو نغادر مبكّرين ونأتي متأخّرين؛ فعلينا أن نعلم ماذا نفعل، كي لا نُفسد الأمور. فإذا ما أردنا الوجاهة، فلا نبقى جالسين إلى أن يغادر الآخرون، بل علينا التبكير بالمغادرة؛ فلهذه الأمور حساب وكتاب.
يقضي العرف بأنَّه عند القدوم، يأتي الجميع أولاً ويجلسون ثم يأتي ذلك الكبير. فذلك الكبير لا يأتي مبكّراً ويجلس ثمّ يأتي الآخرون. بل يأتي الآخرون ويجلسون، ويكون ذلك بحكم الاستقبال لذلك الشخص صاحب المقام الأعلى.
أمّا عند المغادرة فلا، بل تكون المغادرة المبكّرة للشخص صاحب المقام الأعلى، إذ ذلك يعني بأنَّني أنا الذي اختتمت المجلس، إنَّ إشارة ختم المجلس قد تمّت من قِبلي و... علينا أن نتعرّف على القوانين!
على أيّة حال فقد حضر هذان الشخصان في وقت واحد، فهذا يقول بأنَّني أنا قائد الجيش ولقد تم النصر بفعل إدارتي وجهودي، بينما كنت أيّها الرئيس جالساً في البيت الأبيض تُصدِر الأوامر فقط، فلم يكن لك أيّ دور في النصر؛ أنا كنت هنا في ساحة المعركة وتحمّلت الحرَّ والبرد وعملت ما عملت، فما الذي عملته أنت؟ لقد كنت جالساً خلف الطاولة و...
وهو يقول أنا الرئيس وكذا، فما هذا الذي تقوله؟ فالكبير في محلّه والصغير في محلّه؛ ولكلّ شيء حساب وكتاب! وهكذا كانوا يتخاصمون بينما كانت الطائرتان تحومان هكذا حول المطار؛ لقد قرأت بأنّ الطائرتين حامتا حول المطار لمدة خمسٍ وثلاثين دقيقة؛ فهذا يقول لذلك اهبط أنت أولاً، وذلك يقول لا، عليك أن تهبط أنت أولاً. لقد استمرّ ذلك لمدّة خمسٍ وثلاثين دقيقة! ما هذا؟ إنَّه الدنيا، الدنيا هذه هي الاعتباريّات والتوهّمات و... فهذا يقول عليك أن تهبط أنت أولاً، وذلك يقول لا، عليك أن تهبط أنت أولاً؛ وفي نهاية المطاف أجبروا قائد الجيش على الهبوط أولاً، فلا يمكن لرئيس الجمهوريّة أن يخضع لقائد يريد أن يفرض عليه إرادته بالقوّة.
فخلاصة الأمر كنت جالساً أشاهد كيف ينظر هذا إلى ذاك وكذا. وفجأة نهض الثلاثة دفعة واحدة، نهضوا جميعاً دفعة واحدة؛ بفارق نصف ثانية! واحد بالمائة من الثانية! عدّة أجزاء بالمائة من الثانية؛ كان ذلك واضحاً للعيان بشكل كامل. فأنا لا أنسـى ذلك المشهد أبداً. وعند ذلك سقط أحدهم على المائدة من شدة التدافع؛ سقط على سفرة الحلوى والحساء و... وجلست أضحك في قلبي، لقد كافأكم الله جيّداً، فجلست أضحك عليهم في قلبي.
إنَّهم يريدون النهوض لكي ننهض نحن أيضاً، فنحن طلّاب صغار و..، فقلت لا، من قال ذلك؟ (مثل ذلك الحدث) فإن كنتم تريدون المغادرة فغادروا، نحن لا نريد المغادرة فلماذا ننهض؟!
لقد ذهبوا وبقيت مع عدد من الأشخاص الذين هم على شاكلتي وعلى نفس النهج، بقينا جالسين في أماكننا لم نتحرّك منها.
أمّا المرحوم السيّد رضا بهاء الديني فقد كان جالساً فارغ البال، مُتحرّراً من كلّ تلك الأمور والأفلام التي كانت تجري في هكذا مجلس رفيع وروحانيّ ونورانيّ جداً.
ألا يجب علينا والحال هذه أن نُنصف الكثيرين من الذين يبدّلون نظرهم؟ ألا يجب أن تتبدّل آراؤهم؟!
كنت أرى بأنَّ المرحوم العلاّمة يسكت في هذه المجالس؛ يحب أن يتحدّث الآخرون؛ وأن يتكلّم الآخرون.

    

مراعاة المرحوم العلاّمة حال الأشخاص وإن كانوا مخطئين

لقد تمّت دعوتنا من قبل أحد الأقارب لحضور مجلس في طهران في إحدى الليالي، وكان عدّة أشخاص آخرين من أئمّة الجماعات في طهران مدعوّين أيضاً؛ لقد انتقلوا إلى رحمة الله بأجمعهم، توفّوا بأجمعهم ـ على ما أتذكّر ـ كانوا من المعروفين؛ كانت دعوة إفطار؛ وكان أحدهم هو المرحوم الأنواريّ رحمه الله؛ يبدو بأنَّه قد توفّي قبل سنة أو سنتين.
لقد سأل سؤالاً عن أحد أدعية الإمام السجّاد، حيث يقول الإمام في هذا الدعاء (والظاهر أنَّه أحد الأدعية المتعلّقة بأيّام الحج): "وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك [ولا تهنّي بكرامة أحد من أوليائك]"[3].
فكان سؤاله ما هو مفهوم هذه العبارة؟ ما المعنى الذي تشتمل عليه هذه العبارة؟ فالإمام يطلب من الله أن يرفعه ويُهين عدداً آخر، فما معنى ذلك؟ ما الذي يقصده الإمام من هذه العبارة؟
فما إن أنهى سؤاله، حتّى قام واحد من الذين يتكلّمون قبل أن يُفكّروا ـ فبعض الناس يتأمّلون قليلاً، أمّا البعض الآخر فيُجيب قبل أن يُنهي المتكلّم سؤاله! فمن المعلوم بأنَّ هذا لا يعلم من الأساس ما هو الموضوع! فينطق بشيء ثمّ يُفكّر ما هذا الذي قلته؟ ـ فبدأ واحد من هذا الصنف بالكلام ـ هكذا وهكذا [وكأنَّه] ضغط على زر المسجل ـ نعم، إلهي ألبسني تلك الخلعة، إلهي...
أخذ يتكلم بهذا الكلام الذي لا معنى له، فقلت: ما الذي يقوله هذا؟ فما الذي يقوله الإمام، وما الذي يقوله هذا الشخص... هل فهمت أنت معنى ذلك الكلام من الأساس؟
فتأمّل المرحوم الأنواريّ ـ رحمه الله ـ قليلاً، ثمّ التفت إلى المرحوم العلاّمة قائلاً: هل هذا صحيح يا سيّد؟ ـ [جملة] "هل هذا صحيح؟" تتضمّن أكبر إهانة لذلك المتكلّم ـ فطأطأ [المرحوم العلاّمة] برأسه، ماذا يقول؟ فذلك قد قال ما قال، وهذا يقول هل هذا صحيح؟ فأنا لم أفهم شيئاً ممّا قاله، فما هذه الكلمات التي تكلّم بها هذا الشخص؟
إلهي ألبسني هذه الخِلعة، إلهي أظهرني بين الناس بمظهر حسن و... فليرفع الناس جميعاً، لماذا نحن فقط؟ فما الذي يُميّزنا؟
هذا الجواب قد أساء الحال، فقد أضاف عشرة أسئلة أخرى؛ بهذا الترتيب والتركيب للعبارات.
فحرَّك المرحوم العلاّمة يده هكذا قليلاً وقال: نعم، لعلّ.. ـ كان كثير الأدب والحرص على عدم كسر قلب أيّ شخص ـ نعم، بالطبع، لكن من الممكن أن نقول هكذا أيضاً: إلهي إذا كان في تقديرك ـ وبدأ بالكلام ـ إذا كان تقديرك يقتضي إهانة عدد من الناس، فلا تجعلني منهم.
ترون بأنَّ معنى الكلام قد تبدّل دفعة واحدة، فما الذي كان يقوله ذلك، وكيف كان يُفسِّر الكلام، وما الذي يقوله المرحوم العلاّمة: إذا كانت مشيئتك تقتضي إهانة وإذلال عدد من الناس، فلا تجعلني منهم...
فكلام الإمام السجّاد حيث يقول: أعطني من عفوك بمقدار أملي ولا تؤاخذني بأسوء عملي، هو شكل آخر لهذا الدعاء.
ما إن قال ذلك، حتّى قال ذلك الشخص فوراً: يا سيّد، لقد تمّ التفكير في هذه المواضيع، لقد تأمّلنا في هذه المواضيع سابقاً (أي إنَّني لا أتكلّم من تلقاء نفسي بل ما أذكره نابع من التأمّل والتحقيق!).
فشرع المرحوم الأنواريّ بالضحك، ونظر إليه ضاحكاً وقال: نعم، نعم هل هذه إجابة.
فخُتِم ملفّه، ولقد سمعنا ما قيل من ورائه وما سُمع...

    

مراقبة النفس وتعاملها في المجالس العامّة

ماذا وراء كل هذه الأمور؟ إنَّ ذلك بسبب هذه القضايا، بسبب أنّه ينبغي على الإنسان أن يكون دائم المراقبة. كان المرحوم العلاّمة ذكياً؛ ما إن يرى بأنَّ النفس تريد دخول الميدان في هكذا أمور حتّى يلتزم جانب الصمت؛ فيدع الآخرين يتكلّمون، يدع الآخرين يتحدّثون، بل على العكس؛ فقد رأيت أكثر من ذلك في موضع آخر؛ ففي بعض الأحوال وعندما يتناقش مع البعض، كنت أعلم بأنَّ جواب المسألة معروف لديه، فنحن قد تعلّمنا هذا الجواب من والدنا نفسه؛ فلم نكن قد تعلَّمناه من جهة أخرى؛ إلاّ إنَّه عندما يصل الأمر إلى مرحلته الحاسمة بحيث يتم إفحام الطرف المقابل، نرى أنَّه كان يأخذ بالتأمّل فجأة وكان يتوقّف بحيث يبدو الأمر بالظاهر وكأنَّ الطرف الآخر كان هو صاحب التفوّق في البحث والكلام.
هذا هو الذي جعل منه العلاّمة الطهراني، لا هذه المؤلّفات لوحدها. فالكثير قد قرأ هذه الكتب؛ فالأمر لا ينتهي عند هذه الدروس والبحوث، بل إنَّ هذه الطرق وهذه البرامج وهذه المراعاة هي التي تغيّر الإنسان شيئاً فشيئاً ... فهل تتصوّرون بأنَّه أصبح من أولياء الله هكذا ودفعة واحدة؟ لا يا سيّد؟ إنَّ لذلك طريقاً، فلابدَّ من طيّ الطريق، لابدَّ من السير في هذا الطريق؛ والله يساعد الإنسان؛ فالأمر ليس بهذا الشكل كأن تفترض بأنَّه هكذا وبالتمنّي يحصل الإنسان على ما يُريد وبدون مجهود و...

    

مائدة الإمام مبسوطة للجميع

فتلك المائدة التي بسطها الإمام الحسين لأمثال الحُر، قد بسطها لجيش عمر بن سعد أيضاً، فالإمام إمام، وهو إمام للجميع بدون تفاوت، ليس للحُرّ فقط؛ إنَّه يأخذ بيد الجميع وهو وليٌّ للجميع ويشمل فيضه الجميع، فهذا هو الإمام، لكن الفرق في أنَّ أحدهم يُقدِم والآخر لا يقدِم. يأتي أحدهم، ويُعرضُ الآخر. لقد شرحنا ذلك الليلة الماضية.
كلام الإمام هنا يُشير إلى هذه المسألة وهي: إلهي إنَّك قد جعلت لي هذه المائدة، ولكنَّ يدي لا تستطيع الوصول إليها، فعملي ناقص؛ لا يستطيع إيصالي إلى تلك الدرجة. عملي عملٌ سيّئ، فكيف يستطيع العمل السيّئ الوصول إلى ذلك المقام العظيم حيث الصدق المطلق، الصفاء المطلق، النورانيّة المطلقة والروحانيّة المطلقة؟ كيف يستطيع؟
كيف يمكن لمقدَّمة خاطئة من إيصال الإنسان إلى ذي المقدَّمة والغاية الصالحة والصحيحة؟ إنَّ أولئك القائلين بأنَّ ذا المقدَّمة يُبرّر المقدَّمة، والغاية تُبرّر الوسيلة، أولئك على خطأ كبير، وهم واقعون في ضلال. إذ لا يمكن للكذب أبداً أن يُوصِل الإنسان إلى أيّ درجة من درجات رضا الله؛ لا يكون ذلك طريقاً أبداً. لا تستطيع الخُدعة من إزالة الحُجب وإيصال الإنسان إلى درجة الصفاء والنورانيّة. لا يستطيع الظلم ذلك، لا يستطيع الكذب ذلك، لا تستطيع السرقة ذلك. كل تلك الأمور لا يمكنها ذلك.

    

ما هي الخطوة الأساسيّة للوصول إلى اللـه؟

إنَّ الخطوة الأولى التي يجب القيام بها، يجب أن تكون الصدق، الاستقامة، الأمانة، الصحّة، العدالة، الرحمة والعطف، يجب أن يكون هنالك صلاح وسداد، لماذا؟ لأنَّ نفسك تنتكس مع الكذب، فكيف ستعالج ذلك؟ فعندما تكذب؛ لا تتخيّل بأنَّك تعبر الجسـر، أو تكون قد عبرته، كلاّ! بل ستكون قد سقطت في النهر، لم تعبر الجسر. فعندما تكذب لأجل أن تعبر هذا الجسر ـ بهذا القصد وهو أنَّك قد عبرت الجسر ـ تكون قد لوَّثت نفسك بكدورة الكذب، فكيف تتمكّن من الوصول إلى رضا الله إذاً؟ إنَّ ذلك الذي تصل إليه هو ليس رضا الله، بل هو رغباتك وأمانيك وتخيّلاتك وأوهامك، فذلك بهذا الشكل، وهذا بهذا الشكل؛ لقد اختلف الشكل فقط.
لذا يقول الإمام السجّاد بأنَّه، ولأجل الوصول إلى مقام الصفاء والنورانيّة، لا يمكن أن يكون عمل الإنسان عملاً سيّئاً. فهو يقول: ساء عملي؛ والحال يجب أن يكون العمل عملاً صحيحاً، يجب أن يكون العمل لله، يجب أن يكون العمل من أجل استحصال رضا الله؛ يجب أن يكون فيه الصدق والصفاء، لا الأنانيّة، يجب أن تكون فيه المساواة، لا فرض الذات، ينبغي أن لا يكون فيه طرح: إنَّ الله هو إلهي أنا فقط! الله هو إله الجميع، وليس إلهي أنا فقط.
فنحن ندّعي أنّنا مخلصون لله، وهنا فإنّ الله يقول لنا: إن كان الأمر كذلك، فلماذا لا ترضون بالله ربّاً للجميع؟! أليس الله ربّاً للآخرين أيضاً؟!
لذا ترى الخطيب يصعد المنبر في منزل فلان ويتكلّم، فمع أنَّ المجلس هو مجلس الإمام والنبي، لكنّه يدعو لصاحب المجلس وفلان وجناب كذا وكذا؛ فإذا كان المجلس لله والنبيّ فادع لشخص آخر غير صاحب المنزل، فسترى عندها هل يُنزلك من المنبر أم لا؟ وسترى أنّه لن يُعطيك شيئاً. فإذا كان لله والنبيّ، فلا يجب أن يكون هنالك تفاوت؛ سواءً كان في هذا المجلس أو ذاك. فأصبح معلوماً بأنَّ ارتقاء المنبر هو لأجل هذا الشخص، في حين يُتّخَذ من الإمام الحسين والأئمة ذريعة لذلك. فجميع تلك الأعلام كلّها ذريعة، فكلّ تلك الأعلام تعني أنا. فراية يا سيّد الشهداء يعني يا طهرانيّ، يا فلانيّ؛ فظاهره بهذا الشكل، ولكن انظر إلى باطنه ماذا يعكس؟ الباطن يقول هذا؛ ماذا يعكس الباطن؟ إنَّه لأمر عجيب!

    

حصول الخطأ من النفس دون أن تشعر

من المناسب أن أذكر هنا هذه الحكاية؛ كان أحد الأصدقاء يروم زيارتنا، لم يكن بيتي هنا، كان بيتي في منطقة زنبيل آباد، كنت مستأجراً منزلاً هناك؛ كان صديقي هذا من أساتذة الجامعات ورئيس لأحد الأقسام فيها، وكانت بيننا ولا زالت علاقة حميمة، إنَّه شخص صالح جداً ونسأل الله أن يأخذ بأيدينا جميعاً ويوصلنا بأجمعنا إلى ما يطمح إليه أولياء الله.
لقد اتّصل بي وقال: إنِّي قد جئت إلى جامعة قم لإلقاء محاضرة وأريد القدوم لرؤيتك؛ قلت: حسناً ـ وكان الوقت ظهراً ـ سأبسط المائدة ريثما تكون قد وصلت؛ فقال: أعطني العنوان؛ فأعطيته العنوان، قلت: زنبيل آباد، الزقاق الفلانيّ، رقم الدار الكذائيّ.
فقمنا بإحضار المائدة، ولكنّنا انتظرنا كثيراً، ولم يحضر؛ فكم هي المسافة [حتّى يتأخّر بهذا الشكل]؟ كلّها خمس دقائق، المسافة من ذلك المكان الذي هو فيه إلى هنا لا تتجاوز الخمس دقائق أو عشر دقائق؛ ولكن مضى من الوقت عشر دقائق، عشرون دقيقة، نصف ساعة، أربعون دقيقة؛ فما الذي حصل إذاً؟ فأين ذهبتَ؟ هل إنَّك راجع إلى طهران؟ فاتّصل بي تلفونياً قائلاً: هل أدعو عليك الله ليفعل بك ما يفعل؟ فقد جعلتني أطوف الشوارع واحداً واحداً، فأيّ عنوان هذا الذي أعطيتني إيّاه؟
قلت: ما الذي حصل؟ قال: أيّ عنوان هذا؟ قلت: اقرأ لي حتّى أرى.
قال: شارع أمين ...
ما إن قال هذا، حتّى قلت له: أنا قلت [شارع أمين]؟
فنظر، فرأى واويلاه! فقد قرأ رئيس الجامعة "زنبيل آباد" قرأها "شارع أمين"! فأيّ شبه بين زنبيل وشارع؟ فهذا يبدأ بحرف الزاي وذلك بحرف الشين، وهذه تنتهي بالّلام وتلك بالعين.
لكن بما أنَّ بيتنا كان في شارع أمين سابقاً، لذا فإنَّ عبارة شارع أمين مطبوعة في ذهنه، فكان يقرأ زنبيل آباد على أنَّها شارع أمين. لقد أصبح رئيساً لأحد أقسام الكليّة في الجامعة الفلانيّة... يا للحُسن! فالكليّة هذا رئيسها... (مزاح).
لقد سخرت منه كثيراً؛ لقد كنَّا بالطبع أصدقاءً، بل كنَّا صديقين حميمين، وعلاقتنا قويّة جداً. وعند وصوله البيت قال: أرجو ألاّ تذكر ذلك لأحد ،فذلك فضيحة لي! فقلت له: "إنَّني سأذكر هذه الحكاية يوماً ما. (لقد مضت سنوات بالطبع، مضت على تلك الحكاية سنوات) قلت: سأذكر هذه الحكاية يوماً دون ذكر الاسم، ولكنَّني سأذكرها لكي يعرف الجميع مقدار عقلك ودرايتك؛ بحيث إنَّك تقرأ زنبيل آباد بشكل شارع أمين؛ فما شاء الله على ذلك!
ما سبب ذلك؟ ذلك لأنَّ شارع أمين كان مطبوعاً في الذهن والفكر والحواس؛ فكان يقرأ ما هو مكتوب على أنَّه شارع أمين. وهذا شيء صحيح، فعندما يكون الذهن في حالة معيّنة، يجعل تلك الصورة الظاهريّة بنفس شكل تلك الصورة المطبوعة فيه. صحيح؟
فكيف يمكن والحال هذه لذلك القلب الملوَّث بالمعصية، الملوَّث بالكذب؛ الذي أصبح الكذب بالنسبة إليه شيئاً عاديّاً، فإذا ما نطق بعشـرة آلاف كلمة في اليوم، سيكون تسعة آلاف وخمسمائة منها كذباً، وثلاثمائة إلى أربعمائة منها مشكوك فيها بين الصدق والكذب، ومن الممكن أن تكون مائة منها صدقاً؛ لقد أصبح الكذب لديه أمراً عاديّاً، أصبحت السرقة لديه أمراً عاديّاً كلّها في إطار الوصول إلى غاياته، إلى تخيّلاته ...
لقد أصبح الكذب لهذه النفس أمراً عاديّاً، السرقة أمراً عاديّاً، الخيانة أمراً عاديّاً، الغشّ أمراً عاديّاً، الظلم أمراً عاديّاً، النهب أمراً عاديّاً. فكيف يمكن لهذه النفس أن تصل إلى مكان تكون فيه النورانيّة والصفاء والصدق والبهجة وترك النفس ورفع الأنانيّة والتوحيد؟ كيف يمكن لها ذلك؟

    

ينبغي على السالك الاستقامة حتى مع أعدائه تأسّياً بأئمّته

لماذا كان المرحوم العلاّمة يقول في سنة اثنين وأربعين[4]: "يجب أن نكون صادقين حتّى مع رئيس جمهوريّة أمريكا"؟ لماذا قال ذلك؟ لأجل هذا، لأنّنا لا ينبغي أن يكون في مبادئنا الكذب، لا ينبغي أن يكون في مبادئنا المكر. فبغضّ النظر عن أنَّهم يفهمون ويدركون محاولتنا للخداع ، فليس الأمر بأنَّهم يقبلون كلّ ما نقوله؛ إنَّهم يفهمون، بل ويفهمون جيّداً، ثمّ يردّون بأسلوبهم الخاص فيما بعد. فبغضّ النظر عن كل ذلك، ما الذي نبتغيه نحن؟ هل هدفنا هو اتّباع مبادئ ودين رسول الله؟ هل يمكن أن يتماشى مبدأ الرسول مع الكذب؟ متى رأيتم رسول الله يكذب على أحد؟ متى رأيتم رسول الله يكذب على أبي سفيان؟ هل مرّ معنا ولو لمرّة واحدة بأنَّ رسول الله كذب على أبي سفيان؟ ثمّ قال: دعه الآن، لنكذب عليه الآن ولتمرَّ هذه وستكون الأمور بعد ذلك بشكل آخر!!
أو هل ذكر أنَّه كذب على أبي جهل أو على خالد بن الوليد؛ أو قال لهم كذباً: إنَّ المصلحة تقتضي ذلك الآن. متى كان هنالك شيء من هذا القبيل؟! متى رأينا أمير المؤمنين يكذب؟ متى رأينا الإمام الرضا يكذب؟ لو كان الإمام الرضا قد كذب على المأمون ولو لمرّة واحدة، لما كان المأمون يبكي على الإمام بعد مضيّ سنين، والحال أنّه هو الذي قتل الإمام الرضا، ولكنَّه يعلم من هو الإمام الرضا، يعلم أيّ شخص قد قتل، وأيّ شخص قد سمَّ، يعلم ذلك جيّداً. كانت الدموع تسيل من عيني معاوية عندما كانوا يتحدَّثون إليه عن أمير المؤمنين بعد استشهاده، لم يكن بكاؤه تصنّعاً، بل كان يبكي واقعاً، إذ أنَّ لديه فطرة، لماذا كان يبكي؟
لماذا لا يبكي على هلاك عمرو بن العاص؟ بل سيفرح لذلك! وسيقول يا خبيث، أنا وأنت سواء لا فرق بيننا، فإذا كنت أنا على هذه الشاكلة، فأنت مثلي. لماذا كان يذرف تلك الدموع على عليّ؟ لأنَّه يعلم من هو عليّ، فهو من أهل هذا الفن؛ حيث كان من أهل السياسة؛ من أهل الخبث؛ فهؤلاء الخبثاء يعلمون، يعلمون ما الأمر، يفهمون ذلك. لذا كان يقول: إنَّ عمل هذا الشخص كان صحيحاً؛ ذلك هو عليّ الذي كانت سيرته صحيحة.
ذلك هو الذي يريد أمير المؤمنين أن يقوله لنا، يريد أن يقول: إذا كنت أنت من شيعتي فعليك أن تضع قدمك حيث أضع قدمي. لماذا تكذب؟ لماذا تعصي؟ لأيّ شيء؟ فلو كنت أريد أن أصل إلى أهدافي، ألم يكن بوسعي أن أكذب؟ دعك عن الكذب، وتحدّث عن هذه الأفعال العاديّة غير الكذب؛ فلو كنت أريد أن أصل إلى أهدافي، فلماذا قلت: دعوهم يشربوا الماء، بعدما كانوا قد أغلقوا علينا شريعة نهر الفرات، ثم أجليناهم عنها واستولينا عليها؟ لقد كان باستطاعتي إغلاق الشريعة عليهم، ولو كنت قد فعلت ذلك لوضع هذا الأمر نهاية للحرب، ولقد كان ذلك من حقيّ، ألم يكن من حقّي؟ فأنت أغلقت علينا طريق الوصول إلى الماء، وها نحن نُغلقه عليك، فتلقى إذاً!
فلو كنَّا مكانه، ألم نكن نفعل ذلك؟ والله لكنّا فعلنا أكثر من ذلك، وكنَّا سنقول: إنَّ ذلك من حقِّنا، فهم قد فعلوا ذلك بنا، ولنا الحقّ في الانتقام، فليس في ذلك بأس.
ولكن ما الذي كان يدور في رأس أمير المؤمنين؟ ما كان يدور في رأس أمير المؤمنين هو «عظُمَ يا سيّدي أملي»، هذا هو الذي كان يدور في رأسه، ولا يوجد في رؤوسنا. ما الذي كان يجري في قلب أمير المؤمنين، ذلك هو «عظُمَ»؛ إلهي لا أُحبّ شيئاً سوى ذاتك، فسواء عليّ انتصرت أم لم أنتصر؛ فبيتك عامر! وسنرجع إلى مكاننا الأول. لقد جئنا إلى هنا وقاتلنا لمدّة ثمانية عشر شهراً وأصبنا بألف جرح، فلا بأس! فهذا هو ممّا يتضمّنه ملفّنا إذاً، وهذا ما أعددتَه لنا. وسوف نعود ونسلّم الحكومة إلى معاوية، ونقول: نستودعكم الله فنحن ذاهبون! ألم يحصل هذا؟ لقد صارت الحكومة من نصيب معاوية في النهاية، فنحن لا نمزح؛ لقد ذهبت فعلاً؛ ولكن من الذي فاز؟ من الذي فاز؟ معاوية هو الذي فاز أم علي؟ المأمون هو الذي فاز أم الإمام الرضا؟ الإمام الحُسين هو الذي فاز أم يزيد؟ من الذي فاز؟ كان الفوز نصيب مَنْ؟ يقول لنا الإمام السجّاد هنا اجعل الفوز من نصيبك، لا تتأخّر! اجعل الفوز من نصيبك وإلاّ فإنَّ يومي الدنيا هذه ستمضي؛ سواءً كانت مع الإمساك بالحكومة أو بدونها، كلاهما سيمضي. هذا الطريق هو طريق التعقّل، هذا الطريق هو طريق الأذكياء، هذا الطريق هو طريق الأكياس، فالمؤمن كيِّس؛ فلا يجب على الإنسان أن يختار أسلوب الكذب والخداع والاحتيال لطيّ الطريق الموصِل إلى العصمة والنورانيّة والروحانيّة، إلى التوحيد والتجرّد، ثم يُبرّر ذلك باسم المصلحة، لهذه المصلحة ولتلك المصلحة.
ترسم نرسى به كعبه اى اعرابى
                             اين ره كه تو مى روى به تركستان است

(يقول: أخشى أن لا تصل إلى الكعبة أيُّها الأعرابي، فالطريق الذي تسلكه يؤدِّي إلى بلاد الترك).
يبدو أنَّ الوقت قد تأخَّر، فالساعة تشير إلى ذلك، وسنكون محلّ اعتراض الأصدقاء والأطبّاء، وذلك بعدم الالتزام بالتعليمات؛ فنحن مجبورون بوضع بعض الحدود.
على كلّ حال، لقد وفَّقنا الله للقاء الرفقاء وسنستمر إن شاء الله في الأيَّام القادمة إذا ما توفّقنا لذلك [بالحديث عن] هذه المواضيع والفقرات والكلمات التي نأمل أن تأتي من ذلك المصدر المقبول منهم وتنبع من ذلك المكان الذي يُريدوه.
المطلب هو ما قاله المرحوم العلاّمة لأحد الإخوة (وهو نفسه الرفيق الذي أتينا على ذكره قبل قليل، والذي كان يقرأ شارع أمين بدلاً من زنبيل آباد) قال له: هذا السيّد مُحسن الذي تراه، فإنَّه لا يُعطى شيئاً ما لم تكن لديه الرغبة في ذلك. فعلينا الطلب! هل انتبهتم؟ يجب على الإنسان الطلب! يجب أن يتحقّق ذلك الأمر في داخل النفس؛ والذي هو باختصار فصل المسير عن مسير الآخرين، فإذا ما أراد الإنسان طيّ نفس ذلك الطريق الذي سلكه الآخرون، فستكون نتيجته هو ما تشاهدونه، سيكون ذلك. فالآن وما دام الإمام السجّاد قد مدَّ لنا هذه المائدة، فمن المؤسف ألاّ نجلس عليها ونستفيد ولا نستثمر عمرنا، ولا نفوز كما فاز العظماء.
اللهمَّ صلّ على محمّد وآل محمّد


[1] ـ فقرة من دعاء أبي حمزة الثمالي الشريف.

[2] ـ الآية 14 من سورة القيامة.

[3] ـ الكافي، ج 4، ص 75؛ مستدرك الوسائل، ج 7، ص 447.

[4] ـ المقصود سنة 1342 هجري شمسي، الموافقة لسنة 1965م، و هي سنة انطلاقة تحركات الثورة الإسلامية في إيران [المترجم].

      
  

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی <-- -->