معرض الصور المحاضرات صوتيات المكتبة سؤال و جواب اتصل بنا الرئیسیة
 
اعتقادات و كلام أخلاق حکمة عرفان العلمي و الإجتماعي التاریخ القرآن و التفسير
المكتبة > اعتقادات > معرفة‌ الإمام > معرفة الامام(المجلد السادس‌عشر والسابع‌عشر)
کتاب معرفة الامام / المجلد السادس عشر و السابع عشر / القسم السابع: مسار العلوم و تاریخ الشیعة

جرائم‌ الحجّاج‌ وعبد الملك‌ ضدّ الشيعة‌

 وما مضت‌ تلك‌ الليلات‌ القصيرة‌ التي‌ استقلّ فيها آل‌ الزبير بالجزيرة‌ إلاّ وعاد الحكم‌ لآل‌ مروان‌ من‌ بني‌ أُميّة‌ بعد أن‌ قضوا علی آل‌ الزبير. ولمّا بسط‌ عبدالملك‌ نفوذه‌ علی البلاد، وقامت‌ دعائم‌ سلطانه‌، التفت‌ إلی‌ أهل‌ البيت‌ وشيعتهم‌. ولم‌ تطب‌ نفسه‌ لانّ يراهم‌ علی تلك‌ العزلة‌ والوداعة‌. وكان‌ سيّد آل‌ البيت‌ وإمام‌ الشيعة‌ يومئذٍ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌، فحمله‌ إلی‌ الشام‌ ليغضّ من‌ مقامه‌، وينقص‌ من‌ منزلته‌. ولكن‌ لم‌ يزدد الإمام‌ بذلك‌ إلاّ عزّاً وكرامة‌، لِما ظهرت‌ له‌ من‌ الفضائل‌ والمعارف‌.

 وكانت‌ الكوفة‌ مغرس‌ دوحة‌ التشيّع‌، فحاول‌ عبدالملك‌ أن‌ يجتثّها من‌ علی الارض‌. وأيّ ساعد أقوي‌ من‌ ساعد الحجّاج‌، وهو صاحب‌ ذلك‌ القلب‌ القاسي‌ الذي‌ لا يعرف‌ الرقّة‌ واللين‌؟! وأيّ رجل‌ أبيع‌ لدينه‌ بالثمن‌ الاوكس‌ ـ لو كان‌ عنده‌ شي‌ء من‌ الدين‌ ـ من‌ الحجّاج‌؟! وإنّ فعله‌ بالبيت‌ الحرام‌ ليسلّم‌ قصر المُلك‌ لعبد الملك‌ أخسر صفقةً.

 وهنا يخبرنا الباقر عليه‌ السلام‌ عن‌ عيان‌ ومشاهدة‌ عمّا كان‌ من‌ الحجّاج‌ مع‌ الشيعة‌، كما يحكيه‌ شارح‌ « نهج‌ البلاغة‌ » ج‌ 3، ص‌15:

 يقول‌ عليه‌ السلام‌: ثُمَّ جَاءَ الحَجَّاجُ فَقَتَلَهُمْ ـ يَعْنِي‌ الشِّيعَةَ ـ كُلَّ قَتْلَةٍ، وَأَخَذَهُمْ بِكُلِّ ظِنَّةٍ وَتُهْمَةٍ، حَتَّي‌ أَنَّ الرَّجُلَ لَيُقَالُ لَهُ زِنْدِيقٌ أَوْ كَافِرٌ أَحَبُّ إلیهِ مِنْ أَنْ يُقَالَ لَهُ: شِيعَةُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

 ويقول‌ المدائنيّ كما في‌ « الشرح‌ » ج‌ 3، ص‌ 15: وولي‌ عبدالملك‌بن‌ مروان‌ فاشتدّ علی الشيعة‌، وولّي‌ عليهم‌ الحجّاج‌ بن‌ يوسف‌، فتقرّب‌ الناس‌ إلیه‌ ببغض‌ عليٍّ عليه‌ السلام‌، وموالاة‌ أعدائه‌، ومولاة‌ من‌ يدّعي‌ قوم‌ من‌ الناس‌ أ نّهم‌ أيضاً أعداؤه‌.

 فَأَكْثَرُوا فِي‌ الرِّوايَةِ فِي‌ فَضْلِهِمْ وَسَوَابِقِهِمْ وَمَنَاقِبِهِمْ، وَأَكْثَرُوا مِنَ الغَضِّ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَعَيْبِهِ وَالطَّعْنِ وَالشَّنَآنِ لَهُ.

 وماذا يذكر الكاتب‌ عن‌ الحجّاج‌ وأعماله‌؟! فلقد سوّد صحائف‌ من‌ التأريخ‌ لاتُنسي‌ عمر الدهر. ونربأ بأقلامنا عن‌ ذكرها. وكيف‌ ننشر تلك‌ الفضائح‌ علی صحائف‌ بيض‌ تريد الفضيلة‌ بما ترويه‌ وتسطّره‌؟!

 ولو كانت‌ أعماله‌ القاسية‌ مجهولة‌ ولو لبعض‌ الناس‌ لآثرنا للفضيلة‌ استطراء شطر منها رجاء أن‌ ينتهجها من‌ له‌ إمرة‌ وسلطان‌ عندما يعرف‌: أَنَّ المَرْءَ حَدِيثٌ بَعْدَهُ، وَأَنَّ التَّأَْرِيخَ يَحْفَظُ عَلَيْهِ الجَمِيلَ وَالقَبِيحَ. ولكنّ الناس‌ كلّهم‌ يعلمون‌ ما ارتكبه‌ ذلك‌ الفظّ الغليظ‌ من‌ الكعبة‌، وممّن‌ اتّخذ الكعبة‌ قبلةً دون‌ أن‌ يميّز بين‌ شيعيّ، أو سنّيّ، أو حروريّ، وبين‌ حجازيّ، أو عراقيّ، أو تهاميّ. [1]

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌ [2]

 قال‌ آية‌ الله‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفّر أعلی الله‌ درجته‌ السامية‌ في‌ كتاب‌ « تاريخ‌ الشيعة‌ »: ما وجد الشيعة‌ زمن‌ محمّد الباقر عليه‌ السلام‌ تضييقاً شديداً من‌ بني‌ أُميّة‌ كما وجدوه‌ فيما سبق‌ علی عصره‌. فكانوا يشدّون‌ الرحال‌ إلیه‌ للارتشاف‌ من‌ مناهل‌ معارفه‌ وعلومه‌. وفي‌ أيّامه‌ كثرت‌ الرواة‌ والرواية‌ عنه‌، وكانت‌ الرواية‌ عنه‌ أكثر من‌ آبائه‌ السابقين‌ عليهم‌ السلام‌.

 فانتشر الحديث‌ الباقريّ! في‌ كلّ قطر، حتّي‌ أنّ جابر الجُعفيّ وهو من‌ ثقات‌ رواته‌ وأعاظم‌ نَقَلَه‌ الحديث‌ روي‌ سبعين‌ ألف‌ حديث‌ عنه‌ فحسب‌. وكان‌ من‌ حملة‌ علوم‌ أهل‌ البيت‌، وَعِلْمُهُمْ صَعْبٌ مُسْتَصْعَبٌ لاَ يَحْتَمِلُهُ إلاَّ نَبِيٌّ أَوْ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ أَوْ مُؤْمِنٌ امْتَحَنَ اللَهُ قَلْبَهُ لِلإيمَانِ، [3] كما في‌ نصّ الحديث‌ عنهم‌.

 يقول‌ جابر كما في‌ الحديث‌ عنه‌: عِنْدِي‌ خَمْسُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ، مَا حَدَّثْتُ مِنْهَا شَيْئاً كُلُّهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّي‌ اللَهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ أَهْلِ البَيْتِ.

 وروي‌ أيضاً محمّد بن‌ مسلم‌ عن‌ الباقر خاصّد ثلاثين‌ ألف‌ حديث‌. فما أعظمكم‌ من‌ رجال‌! كيف‌ كانت‌ أوعيتكم‌ صالحة‌ لتحمّل‌ تلك‌ المقادير العظيمة‌ من‌ علم‌ أهل‌ البيت‌ ذلك‌ العلم‌ الصعب‌ المستصعب‌. ولا بِدع‌ فإنّ النَّاسُ مَعَادِنٌ. [4]

 ونبغ‌ في‌ زمنه‌ من‌ رجال‌ الحديث‌ علماء كان‌ المعوّل‌ علی حديثهم‌ بعدحين‌. وكانوا المقدّمين‌ عند الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌. يعطف‌ عليهم‌، ويرفق‌ بهم‌. وجاءت‌ عنه‌ فيهم‌ مدائح‌ جليلة‌ أمثال‌ جابر، ومحمّد بن‌ مسلم‌، وزرارة‌ وحمران‌ ابنَي‌ أعين‌، وابن‌ أبي‌ يعفور، وبُريد العِجليّ، وسُدَير الصيرفيّ، والاعمش‌، وأبي‌ بصير، ومعروف‌ بن‌ خَرَّبُوذ، وكثير غيرهم‌. كما نبغ‌ فطاحل‌ من‌ الشعراء بقيت‌ آثارهم‌ خالدة‌ حتّي‌ إلیوم‌ أمثال‌ الكُميت‌.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ [5]

 مُني‌َ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ بمعاصرة‌ الدولتين‌ المروانيّة‌ والعبّاسيّة‌ وشاهد منهما معاً ضروب‌ الاذي‌ والتضييق‌. فكم‌ أزعجوه‌ من‌ دار الهجرة‌ ( المدينة‌ الطيّبة‌ ) يُحمل‌ إلی‌ فرعون‌ أيّامه‌ من‌ دون‌ جرم‌، سوي‌ أ نّه‌ صاحب‌ الخلافة‌ والإمامة‌ حقّاً. فحُمل‌ مرّة‌ إلی‌ الشام‌ مع‌ أبيه‌ الباقر عليه‌ السلام‌ أيّام‌ بني‌ مروان‌، وإلی‌ العراق‌ عدّة‌ مرّات‌ في‌ عهد بني‌ العبّاس‌ أبناء عمّه‌: مرّة‌ في‌ عهد السفّاح‌ إلی‌ الحيرة‌، ومرّات‌ في‌ عهد المنصور إلی‌ الحيرة‌ وإلی‌ الكوفة‌ وإلی‌ بغداد.

 وأحسن‌ أيّام‌ مرّت‌ علی الشيعة‌ في‌ عصره‌ في‌ الفترة‌ التي‌ امتزجت‌ من‌ أُخريات‌ دولة‌ بني‌ مروان‌ وأُوليات‌ دولة‌ بني‌ العبّاس‌، في‌ اشتغال‌ أُولئك‌ بقتل‌ بعضهم‌ لبعض‌ وبانتقاض‌ البلاد عليهم‌، وهؤلاء بالحرب‌ مع‌ المروانيّين‌ مرّة‌ وبتطهير البلاد منهم‌ واستتباب‌ الامن‌ أُخري‌. فانتهز الشيعة‌ هذه‌ الفرصة‌ ـ والوقت‌ فرص‌ ـ للارتواء من‌ مناهل‌ علمه‌ وعرفانه‌، فشدّوا الرحال‌ إلیه‌ من‌ كلّ حدب‌ وصوب‌ لاخذ أحكام‌ الدين‌ والمعارف‌ عنه‌. فَرُوي‌ الحديث‌ عنه‌ في‌ كلّ علم‌ وفنّ، كما تشهد به‌ كتب‌ الشيعة‌. ولم‌ تقتصر الرواية‌ عنه‌ علی الشيعة‌ فحسب‌، بل‌ روت‌ عنه‌ سائر الفرق‌، كما تُفصح‌ بذاك‌ كتب‌ الحديث‌ والرجال‌ من‌ الشيعة‌ ومن‌ غيرهم‌.

 وقد أحصي‌ ابن‌ عقدة‌، والشيخ‌ الطوسيّ طاب‌ ثراه‌ في‌ كتاب‌ رجاله‌، والمحقّق‌ رحمه‌ الله‌ في‌ « المعتبر »، وغيرهم‌ مَن‌ روي‌ عنه‌ من‌ الشيعة‌ ومن‌ غيرهم‌، فكانوا أربعة‌ آلاف‌. وكان‌ أكثر الاُصول‌ الاربعمائة‌ مرويّة‌ عنه‌. وهذه‌ الاُصول‌ هي‌ الاساس‌ لكتب‌ الحديث‌ الاربعة‌: « الكافي‌ » لثقة‌ الإسلام‌ الكلينيّ، [6] و « من‌ لا يحضره‌ الفقيه‌ » للشيخ‌ الصدوق‌، [7] و « التهذيب‌ »، و « الاستبصار » لشيخ‌ الطائفة‌ الطوسيّ، [8] طيّب‌ الله‌ مراقدم‌.

 وصارت‌ الشيعة‌ في‌ غضون‌ هذه‌ الفترة‌ تنشر الحديث‌، وتجهر بولاء أهل‌ البيت‌ عليهم‌ السلام‌. وربا عددهم‌ في‌ مختلف‌ الجهات‌ علی مئات‌ الاُلوف‌.

 ولمّا قامت‌ دعائم‌ السلطان‌ للمنصور، وعرف‌ كثرة‌ الشيعة‌ في‌ الآفاق‌، وتجاهرهم‌ بالولاء لآل‌ محمّد عليه‌ وعليهم‌ السلام‌، ضيّق‌ علی مصدر معارفهم‌ وإمام‌ عصرهم‌ ـ الصادق‌ ـ عليه‌ السلام‌. حين‌ علم‌ أ نّه‌ يعسر عليه‌ اسئصال‌ الشيعة‌ لكثرتهم‌ وانتشارهم‌ في‌ البلاد، فأراد أن‌ يقطع‌ الاصل‌، وبه‌ يكون‌ جفاف‌ الفرع‌. فكم‌ حمله‌ إلی‌ العراق‌، وأوقفه‌ بين‌ يديه‌، يريد بذلك‌ استقاصه‌ أمام‌ الناس‌. وكم‌ خاطبه‌ بما يقصر القلم‌ عن‌ سطره‌.

 وما كفاه‌ ما ارتكبه‌ منه‌ من‌ تلك‌ الاذايا والمكاره‌ والمواقف‌ التي‌ يهتزّ لها العرش‌ عظماً، دون‌ أن‌ دسّ إلیه‌ السمّ علی يد عامله‌ علی المدينة‌. فمات‌ روحي‌ فداه‌ قتيلاً بسمّ المنصور. [9]

 وما اقتصر المنصور في‌ فضيع‌ أعماله‌ علی ما اجترحه‌ من‌ سيّد العلويّين‌ ـ الصادق‌ ـ بل‌ سنّ الشفرة‌ للعلويّين‌ كافّة‌، فصبغ‌ أرض‌ الهاشميّة‌ من‌ دمائهم‌ الطاهرة‌. وأكثر الفجائع‌ في‌ بغداد من‌ إهلاك‌ تلك‌ الفِتْيَة‌ الفَتِيَّة‌. فخافته‌ الشيعة‌، فانكمشت‌ في‌ بيوتها، وتستّرت‌ بالتقّية‌ خشية‌ من‌ صارم‌ عقابه‌. أتراه‌ بكفّ عن‌ علويّ بعد أن‌ اجترأ علی سيّدهم‌، أو يعف‌ عن‌ شيعيّ بعد أن‌ قضي‌ علی إمامهم‌؟!

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ موسي‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌

 قضي‌ الإمام‌ موسي‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌[10] أيّام‌ إمامته‌ [11] بين‌ سجنين‌: سجن‌ داره‌ بعيداً عن‌ الناس‌ خوفاً بني‌ العباس‌، وسجن‌ بني‌ العبّاس‌ الشديد الظلمة‌ والظم‌. حتّي‌ أنّ الراوي‌ إذا روي‌ الحديث‌ عنه‌ لا يسنده‌ إلیه‌ بصريح‌ اسمه‌، بل‌ بكناه‌ مرّةً كأبي‌ إبراهيم‌، وأبي‌ الحسن‌، وبألقابه‌ أُخري‌ كالعبد الصالح‌، والعالم‌، وأمثالهما. وبالإشارة‌ إلیه‌ تارةً كقوله‌: عن‌ الرجل‌، إذ قلّما تجد اسمه‌ الشريف‌ صريحاً في‌ حديث‌ لشدّة‌ التقيّة‌ في‌ أيّامه‌، ولكثرة‌ التضييق‌ عليه‌ ممّن‌ عاصره‌ من‌ العبّاسيّين‌ كالمنصور، والمهدي‌، والهادي‌.

 وما تربّع‌ الرشيد علی دست‌ الملك‌ إلاّ وزجّه‌ في‌ أطباق‌ السجون‌. وبقي‌ سلام‌ الله‌ عليه‌ يحمل‌ إلی‌ السجن‌ مرّةً، ويُطلق‌ منه‌ أُخري‌ أربع‌ عشرة‌ سنةً، وهي‌ مدّة‌ أيّامه‌ مع‌ الرشيد.

 وبهذه‌ الاعمال‌ القاسية‌ أرهبوا العلويّة‌ وأخافوا الشيعة‌. وكانت‌ تطمع‌ عيون‌ الجميع‌ إلی‌ إمامهم‌ السجين‌. ولم‌ يجد عليه‌ السلام‌ منجي‌ للطالبيّين‌، وخلاصاً للشيعيّين‌، أصوب‌ من‌ استسلامه‌ للحكم‌ العبّاسيّ القاسي‌. وما كفي‌ الرشيد ما ارتكبه‌ من‌ الإمام‌ حتّي‌ دسّ إلیه‌ السمّ، وهو في‌ حبس‌ السندي‌ بن‌ شاهك‌، فمات‌ روحي‌ فداه‌ في‌ السجن‌ قتيل‌ الجور والاعتساف‌.

 وذرّ الملح‌ علی الجرح‌ أ نّه‌ لم‌ يسمح‌ لاوليائه‌ بتشييعه‌، بل‌ أمر فحمله‌ الحمّالون‌ فوضعوه‌ علی الجسر. ونكأ القرحة‌ بالنداء عليه‌: هَذَا إمَامُ الرَّافِضَةِ.

 تلك‌ أعمال‌ لا تطفي‌ من‌ العبّاسيّين‌ لهب‌ الحسد، ولا تنقص‌ من‌ شأن‌ الإمام‌، وإنّما تكشف‌ لنا عن‌ قسوتهم‌ ساعة‌ الانتقام‌، وذهولهم‌ عن‌ سياسة‌ الاقلّيّات‌، وغفلتهم‌ عن‌ شحن‌ القلوب‌ عليهم‌ حقداً وغيظاً، والنار تقدح‌ بالزناد. وما كانت‌ النار خامدة‌، وإنّما الجمر تحت‌ الرماد، علی أنّ الإمام‌ لاذنب‌ له‌ عندهم‌ سوي‌ أ نّه‌ صاحب‌ المقام‌ حقّاً.

 ولمّا شاهد سليمان‌ بن‌ جعفر عمّ الرشيد ما يصنع‌ السنديّ بجنازة‌ الإمام‌، أمر فأخذوها من‌ أيدي‌ الشرطة‌، ووضعها في‌ الجانب‌ الغربيّ، وأمر مناديه‌ فنادي‌ بالناس‌ لحضور الجنازة‌ وتشييعها. وأكثر الشيعة‌ في‌ بغداد تقيم‌ في‌ الجانب‌ الغربيّ. وكانت‌ محلّة‌ الكرخ‌ علی سعتها كلّها شيعة‌. فهرع‌ الناس‌ فحملوه‌ علی الاعناق‌ حتّي‌ أوصلوه‌ إلی‌ ترتبه‌ الطاهرة‌ من‌ مقابر قريش‌.

 وكانت‌ قلوب‌ الشيعة‌ تغلي‌ كالمراجل‌ غيظاً علی ما يصنعه‌ الرشيد. ولولا ما كان‌ من‌ سليمان‌ لاوشكت‌ الفتنة‌ أن‌ تقع‌ وأن‌ يأخذوا الجنازة‌ قهراً إلاّ أن‌ يكون‌ الرشيد أميناً بضغطه‌ وشدّته‌ من‌ وثبة‌ الشيعة‌، حتّي‌ وإن‌ كثير الضغط‌ والضرب‌ عليهم‌.

 ولعلّ انتباه‌ سليمان‌ إلی‌ الخطر حمله‌ علی ذلك‌ الصنع‌ حتّي‌ مشي‌ حافياً حاسراً خلف‌ جنازة‌ الإمام‌. فإنّ في‌ ذلك‌ إبراداً للغلل‌، وإطفاءً للهب‌، وإخماداً للنائرة‌ لوجار اشتعالها. أو لعلّ الرشيد أو عز إلیه‌ سرّاً أن‌ يعمل‌ ذلك‌ بعد ما يقضي‌ إربه‌. وعسي‌ أن‌ يكون‌ فعل‌ سليمان‌ غَيرةً علی ابن‌ عمّه‌، واستياءً من‌ ذلك‌ الفعل‌ الاشنع‌.

 إنّ كثرة‌ الشيعة‌ ذلك‌ إلیوم‌ في‌ بغداد وسواها من‌ بلاد العراق‌ لجديرة‌ بأن‌ تقف‌ حاجزاً دون‌ إرهاق‌ السلطات‌ لهم‌ وإنزال‌ السوء بهم‌ متوإلیاً، ولكن‌ هل‌ كانت‌ تلك‌ الضربات‌ المتتابعة‌ علی رؤوسهم‌ وشدّة‌ الضغط‌ عليهم‌ أذهبت‌ بقواهم‌؟ أو لانّ التقيّة‌ حملتهم‌ علی الاستسلام‌ للقسوة‌؟ أو لانّ عددهم‌ بلا عدّة‌؟ أو لانّ الإمام‌ لا يرضي‌ لهم‌ الثورة‌ لعلمه‌ بأنّها لا تصل‌ بهم‌ إلی‌ الغاية‌؟ أو لا نّهم‌ بغير سائس‌ وزعيم‌ ينهض‌ بهم‌ فيقتحم‌ بهم‌ الاهوال‌؟

 أحسب‌ أنّ خلوّهم‌ من‌ الرئيس‌ الناهض‌ هو الذي‌ أسلمهم‌ إلی‌ ذلك‌ الخضوع‌. ومن‌ لمّ تجد العراقين‌ ( الكوفة‌ والبصرة‌ ) والحرمين‌ ( مكّة‌ والمدينة‌ ) وإلیمن‌ قد تمرّدت‌ علی الحكم‌ العبّاسيّ أيّام‌ المأمون‌ عندما وجد الناس‌ زعماء من‌ العلويّين‌ يثبون‌ بهم‌ في‌ وجوه‌ بني‌ العبّاس‌، ويحلّون‌ عن‌ عواتقهم‌ نير ذلك‌ الاستعباد.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ [12]

 إنّ السياسة‌ الإلهيّة‌ للائمّة‌ الاطهار عليهم‌ السلام‌ مع‌ العبّاسيّين‌ قضت‌ بمسالمتهم‌، والتصبّر علی أحكامهم‌ الجائرة‌، لغاية‌ إذاعة‌ الحقّ. ولايتسنّي‌ ذلك‌ إلاّ إسراراً دون‌ أن‌ تشعر بذلك‌ السلطات‌. ولا رحمة‌ لهم‌ عند بني‌ العبّاس‌ لو شعروا منهم‌ بتلك‌ الدعوة‌.

 ولولا تلك‌ المسالة‌ لقُضي‌ عليهم‌ وعلی شيعتهم‌ قبل‌ أن‌ تظهر منزلتهم‌ وكراماتهم‌ من‌ فضائل‌ وعلوم‌ ومعارف‌. تلك‌ التي‌ نبّهت‌ ذوي‌ البصائر إلی‌ أ نّهم‌ خزّان‌ علم‌ الرسالة‌ وأهل‌ بيت‌ النبوّة‌.

 وبهذه‌ السياسة‌ الإلهيّة‌، وتلك‌ الكرامات‌ الباهرة‌ كثر أولياء أهل‌ البيت‌. وبتلك‌ المسالمة‌ حُقنت‌ دماؤهم‌ بعض‌ الشي‌ء كما حفظت‌ نفوس‌ شيعتهم‌ قدر الإمكان‌.

 انبسط‌ التشيّع‌ علی البلاد، وطمح‌ كثير من‌ الطالبيّين‌ للنهضة‌، بل‌ وثب‌ محمّد بن‌ إبراهيم‌ من‌ أولاد الحسن‌ عليه‌ السلام‌ بالكوفة‌، واستفحل‌ أمره‌ حتّي‌ دُعي‌ له‌ بالبصرة‌ ومكّة‌. وإبراهيم‌ بن‌ موسي‌ بن‌ جعفر عليهما السلام‌ بإلیمن‌، واستولي‌ علی إلیمن‌ كلّه‌. وكان‌ في‌ مكّة‌ الحسين‌ بن‌ الحسن‌ الافطسي‌. وبعد موت‌ محمّد بن‌ إبراهيم‌ وداعيتهم‌ أبي‌ السرايا بالكوفة‌ بايع‌ الحسين‌ محمّد بن‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وسمّاه‌ أميرالمؤمنين‌. بل‌ لاتجد قطراً إلاّ وفيه‌ علويّ يُمنّي‌ نفسه‌ أو يُمنيّه‌ الناس‌ بالوثبة‌.

 بل‌ امتدّت‌ جذور التشيّع‌ حتّي‌ إلی‌ البلاط‌ الملكيّ. فكان‌ الفضل‌ بن‌ سهل‌ ذو الرئاستين‌ وزير المأمون‌ شيعيّاً، وطاهر بن‌ الحسين‌ الخزاعيّ قائد المأمون‌ الذي‌ فتح‌ له‌ بغداد وقتل‌ أخاه‌ الامين‌ شيعيّاً، وكثير سواهما. حتّي‌ أنّ المأمون‌ خشي‌ عاقبة‌ هذين‌، فقتل‌ الفضل‌، وولّي‌ طاهراً إمارة‌ هرات‌. وفعل‌ ذلك‌ مع‌ أولاد طاهر فإنّهم‌ بعد القيادة‌ بوليهم‌ إمارة‌ هرات‌. وكانت‌ الطاهريّة‌ كلّها تشيّع‌، كما يقول‌ ابن‌ الاثير في‌ حوادث‌ عام‌ 250، ج‌7، ص‌40.

 وقال‌ في‌ حرب‌ سليمان‌ بن‌ عبدالله‌ الطاهريّ مع‌ الحسن‌ بن‌ زيد الناهض‌ بطبرستان‌: تَأَثَّمَ سُلَيْمَانُ مِنْ قِتَالِهِ لِشِدَّتِهِ فِي‌ التَّشَيُّعِ.

 وبلغ‌ من‌ شأن‌ طاهر أن‌ كان‌ له‌ حرم‌ ببغداد يأمن‌ من‌ دخله‌. وأن‌ يخاطب‌ دعبل‌ المأمون‌ من‌ أجل‌ ما كان‌ لطاهر من‌ الفتح‌ بقوله‌:

 إنِّي‌ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ سُيُوفُهُمْ                 قَتَلَتْ أَخَاكَ وَشَرَّفَتْكَ بِمَقْعَدِ

  كيف‌ لا يخاف‌ المأمون‌ من‌ طاهر؟!

 إنّ المأمون‌ من‌ رجال‌ الدهاء والسياسة‌. فلمّا رأي‌ انتشار التشيّع‌ في‌ الآفاق‌. وثبات‌ العلويّين‌ في‌ أطراف‌ البلاد، وسريان‌ التشيّع‌ إلی‌ بلاطه‌، خشي‌ من‌ عقبي‌ هذه‌ النزعة‌ العلويّة‌ علی سلطانه‌. فرأي‌ أن‌ يكيد لهذه‌ الوثبات‌ التي‌ ظهر بها بعض‌ العلويّين‌، والكامنة‌ في‌ نفوس‌ الآخرين‌.

 إنّ الرضا عليه‌ السلام‌ ذلك‌ إلیوم‌ إمام‌ الشيعة‌ وسيّد آل‌ أبي‌ طالب‌، فبعث‌ إلیه‌ يستقدمه‌. وأظهر أ نّه‌ يريد أن‌ يتنازل‌ له‌ عن‌ العرش‌، وجعل‌ الامر له‌ في‌ الحلّ والترحال‌ واختيار الطريق‌. فجاء علی طريق‌ البصرة‌، فالاهواز، فنيسابور. وجعل‌ طريقه‌ عدّة‌ شهور، ظهرت‌ له‌ في‌ خلالها الكرامات‌ الدالّة‌ علی إمامته‌. وكانت‌ له‌ من‌ الآثار ما بعضها ماثل‌ إلی‌ إلیوم‌.

 فلمّا دخل‌ خراسان‌ واجتمع‌ به‌ المأمون‌، أظهر المأمون‌ للإمام‌ أ نّه‌ يريد أن‌ يتنازل‌ له‌ عن‌ الخلافة‌ لا نّه‌ وجده‌ أحقّ بها لفضله‌، فقال‌ له‌ الإمام‌:

 إنْ كَانَتِ الخِلاَفَةِ حَقَّاً لَكَ مِنَ اللَهِ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَخْلَعَهَا عَنْكَ وَتُوَلِّيَهَا غَيْرَكَ! وَإنْ لَمْ تَكُنو لَكَ فَكَيْفَ تَهَبُ مَا لَيْسَ لَكَ؟!

 فقال‌: إذَنْ تَقْبَلُ وِلاَيَةَ العَهْدِ!

 فَأَبَي‌ عَلَيْهِ الإمام أَشَدَّ الإباء.

 فقال‌ له‌ المأمون‌: مَا اسْتَقْدَمْنَاكَ بِاخْتِيَارِكَ! فَلاَ نَعْهَدُ إلیكَ بِاخْتِيَارِكَ! فَوَاللَهِ إنْ لَمْ تَفْعَلْ ضَرَبْتُ عُنُقَكَ!

 فلم‌ يجد الإمام‌ بدّاً من‌ الاستسلام‌، غير أ نّه‌ اشترط‌ علی المأمون‌ أن‌ لايتدخّل‌ في‌ شؤون‌ الدولة‌ أبداً. فقبل‌ المأمون‌ منه‌ ذلك‌، وأمر فبايع‌ الناسُ الرضا عليه‌ السلام‌ بولاية‌ العهد. وضرب‌ السكّة‌ باسمه‌، وأجري‌ المراسيم‌ الباهرة‌. ووفدت‌ الشعراء للتهنئة‌، وأجزل‌ لهم‌ العطائ، وكتب‌ إلی‌ البلاد كلّها بأخذ البيعة‌ بالولاية‌ للرضا عليه‌ السلام‌. [13]

 نحج‌ المأمون‌ بهذا التدبير من‌ العهد للرضا عليه‌ السلام‌. فهدأت‌ بذلك‌ نفوس‌ الشيعة‌، ومنّت‌ أنفسها بأنّ الامر سيعود لوليّه‌ إمام‌ الاُمّة‌. وقرّت‌ شقشقة‌ العلويّين‌، واطمأنّت‌ قلوب‌ أوليائهم‌ من‌ القوّاد والوزراء غير أهل‌ الرأي‌ والسياسة‌.

 إنّ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌ أخبر المأمون‌ بما يكيده‌ بهذه‌ البيعة‌. فاغتاظ‌ لذلك‌ المأمون‌ وقال‌: مَا زِلْتُ تُقَابِلُنِي‌ بِمَا أَكْرَهُ!

 إنّ الفطن‌ من‌ أرباب‌ السياسة‌ لا تخفي‌ عليه‌ المكيدة‌ ذلك‌ إلیوم‌، فكيف‌ بالرضا؟! ولكن‌ ذلك‌ التدبير يجهل‌ مغزاه‌ سواد الناس‌. وإذا هدأت‌ فورتهم‌، فبمن‌ ينهض‌ الزعيم‌ الثائر؟!

 ولمّا بلغ‌ الخبر العبّاسيّين‌ ببغداد ساءهم‌ فعل‌ المأمون‌ وجهلوا ما يرمي‌ إلیه‌، فاجتمعوا علی خلعه‌، والبيعة‌ لعمّه‌ إبراهيم‌ بن‌ المهديّ الشهير بالغناء.

 وعندما بلغ‌ ما أراده‌ المأمون‌ من‌ الكيد وسمّ الرضا، كتب‌ إلی‌ بني‌ العبّاس‌ ببغداد: إنَّ الَّذِي‌ أنْكَرْتُمُوهُ مِنْ أَمْرٍ عَلِيِّ بْنِ مُوسَي‌ قَدْ زَالَ وَإنَّ الرَّجُلَ قَدْ مَاتَ. [14]

 وكان‌ المأمون‌ يُحضر للرّضا عليه‌ السلام‌ العلماء ليناظروه‌. وهكذا كان‌ يعمل‌ مع‌ ابنه‌ الجواد عليه‌ السلام‌. يظهر بذلك‌ أ نّه‌ يريد أن‌ يُعلم‌ الناس‌ ما لهما من‌ فضل‌، وَلَكِنَّهُ يَدُسُّ السَّمَّ فِي‌ العَسَلِ. لا نّه‌ كان‌ يرجو أن‌ يعثرا ولو مرّة‌ في‌ جواب‌ مس‌.لة‌ ليجعله‌ ذريعة‌ للحطّ من‌ كرامتهما وإنقاصهما أمام‌ الناس‌ والشيعة‌. وبذلك‌ يرجو أن‌ ينصرفوا عن‌ ولائهما والحبّ لهما، إلاّ أ نّهما كانا لا يزدادان‌ إلاّ سناءً ومكانة‌. وظهر للناس‌ أ نّهما معدن‌ العلم‌ وأهل‌ الخلافة‌، وغصنان‌ من‌ شجرة‌ النبوّة‌ الباسقة‌.

 كان‌ المأمون‌ يريد أن‌ ينقص‌ الرضا بتلك‌ المناظرات‌، ويحطّ من‌ قدره‌ بولاية‌ العهد، ويُري‌ الناس‌ أنّ الدنيا زاهدة‌ فيه‌. وأ نّه‌ لو كان‌ زاهداً فيها لما قبل‌ العهد بالولاية‌. فصار الامر علی خلاف‌ ما يحتسبه‌ المأمون‌. فإنّ المحاججات‌ رفعت‌ شأو الرضا العلميّ. وتطلّع‌ الناس‌ لليوم‌ الذي‌ يستلم‌ فيه‌ مقإلید الاُمور.

 نجح‌ المأمون‌ في‌ تدبيره‌ السابق‌، وفشل‌ في‌ تدبيره‌ اللاحق‌. وخشي‌ أن‌ يستفحل‌ الامر، ويُصبح‌ أكثر الناس‌ شيعة‌ للرضا، فيكون‌ ملكه‌ عرضة‌ للخطر، فاحتال‌ عليه‌ بالسمّ ودسّه‌ إلیه‌ في‌ عنب‌، فقضي‌ عليه‌ سميماً بطوس‌، ودفن‌ بها في‌ قبّة‌ هارون‌ أمام‌ قبره‌، فاندرس‌ قبر هارون‌، وظهر قبر الرضا، وصار مقصداً لزوّار الشيعة‌ من‌ أطراف‌ البلاد وشاسع‌ الامصار.

 وفي‌ عهد الرضا عليه‌ السلام‌ نشطت‌ الشيعة‌ وجاهروا بالولاء، وعلت‌ كلمتهم‌، لاسيّما أنّ المأمون‌ كان‌ جهيراً به‌ يجمع‌ أرباب‌ الكلام‌ ويناظرهم‌ في‌ خلافة‌ أميرالمؤمنين‌، ويقطع‌ حججهم‌ بصارم‌ براهينه‌. ولكنّه‌ بعد أن‌ سمّ الرضا، وهدأت‌ أجراس‌ العلويّة‌ والشيعة‌، أو صد ذلك‌ الباب‌ كأن‌ لم‌ يكن‌ ذلك‌ الحجاج‌ وتلك‌ الحجج‌.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الجواد عليه‌ السلام‌ [15]

 مات‌ أبو الحسن‌ الرضا عليه‌ السلام‌، وأبو جعفر الجواد عليه‌ السلام‌ ابن‌ سبع‌ سنين‌. فتهافتت‌ الشيعة‌ عليه‌ يستقون‌ من‌ سائغ‌ نميره‌ شأنهم‌ مع‌ آبائه‌. وما حال‌ صغر السنّ دون‌ ارتشافهم‌ من‌ غامر علمه‌، لانّ الإمامة‌ الإلهيّة‌ لا فرق‌ فيها بين‌ ابن‌ سبع‌ أو سبعين‌ مادامت‌ منابعها تستمدّ من‌ العلاّم‌ جلّ شأنه‌، كما هو شأن‌ النبوّة‌. فهذا عيسي‌ كلّم‌ الناس‌ وهو في‌ المهد. وهذا يحيي‌ أخذ الكتاب‌ بقوّة‌ وآتاه‌ الله‌ الحكم‌، وهو صبيّ.

 إنّ المأمون‌ لا يجعل‌ ذلك‌ الشأن‌ من‌ الإمام‌ ولا رأي‌ الشيعة‌ فيه‌. فاقتضت‌ سياسته‌ أن‌ يرفع‌ مكانة‌ أبي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ ويعظّم‌ شأنه‌، كما تظاهر قبل‌ هذا مع‌ أبيه‌ أبي‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌ فاستدعاه‌ من‌ المدينة‌ مكرّماً إلی‌ بغداد وأظهر له‌ من‌ العناية‌ ما استفزّ بني‌ العبّاس‌ حتّي‌ خافوا أن‌ يعهد إلیه‌ كما عهد إلی‌ أبيه‌ من‌ قبل‌. ولكنّهم‌ جهلوا ما يقصده‌ وراء ذلك‌ الإكرام‌، وجهلوا أنّ السياسة‌ ألوان‌، وأنّ لكلّ عهدٍ عملاً ولوناً، فاستمرّوا في‌ ملامته‌، واستمرّ في‌ كيده‌ حتّي‌ زوّجه‌ بابنته‌ أُمّ الفضل‌، وهي‌ التي‌ قتلته‌ بالسمّ بإشارة‌ من‌ المعتصم‌، فكأنّه‌ ادّخرها للجواد لمثل‌ هذا إلیوم‌.

 كثر إلحاح‌ بني‌ العبّاس‌ علی المأمون‌ علی أن‌ يصرفوه‌ عن‌ تزويجه‌ بابنته‌، وعن‌ رفع‌ مقامه‌ وهو لا يعبأ بهم‌، فقالوا: دَعْهُ حَتَّي‌ يَتَأدَّبَ فَإنَّهُ صَبِيٌّ! فأحضر له‌ العلماء والفقهاء ليناظروه‌، فيظهر له‌ من‌ الفضل‌ ما يقطع‌ ألسنتهم‌. فكان‌ من‌ الجواد مع‌ يحيي‌ بن‌ أكثم‌ ما هو مسطور في‌ كتب‌ التأريخ‌ والحديث‌ والفضائل‌، وما هو قاطع‌ للحجّة‌ ولذارب‌ الالسنة‌ من‌ بني‌ العبّاس‌، وما بلغ‌ أبو جعفر ذلك‌ إلیوم‌ العاشرة‌.

 ولا أدري‌ كيف‌ بلغ‌ الجهل‌ ببني‌ العبّاس‌ إلی‌ ذلك‌ الحدّ، فقد سبق‌ من‌ المأمون‌ مع‌ الرضا عليه‌ السلام‌ ومنهم‌ في‌ لومه‌ ما دلّ علی نجاحه‌ في‌ سياسته‌ وكيده‌، وخطأهم‌ في‌ تأنيبه‌. فكيف‌ عادوا إلی‌ تفنيده‌ حين‌ عاد إلی‌ إظهار الإعزاز لابي‌ جعفر عليه‌ السلام‌؟! ولا أدري‌ كيف‌ لم‌ ينتبهوا إلی‌ مراميه‌ في‌ أعماله‌ ولها أمثال‌ سابقة‌؟! وكيف‌ يأملون‌ أن‌ يكشف‌ لهم‌ عن‌ نواياه‌ في‌ فعله‌؟! والسياسة‌ إن‌ ظهرت‌ للعيان‌ استفزّت‌ من‌ يراد به‌ الكيد، ونبّهت‌ مشاعره‌. وإذا أخذ الحيطة‌ لنفسه‌، كيف‌ تعمل‌ فيه‌ تلك‌ المكيدة‌؟! ( هذا علی عكس‌ منهج‌ السياسة‌ تماماً. فقوام‌ السياسة‌ إخفاء المكر والحذيعة‌ ). وإذا ظهر للعلويّة‌ والشيعة‌ القصد من‌ مراميه‌ في‌ إجلاله‌ لابي‌ جعفر عليه‌ السلام‌ لم‌يحتفلوا بما يصنع‌، فلا يثبّطهم‌ عن‌ الوثبة‌ في‌ وجهه‌.

 عاد الجواد عليه‌ السلام‌ إلی‌ المدينة‌، وبقي‌ بها مقصداً لاوليائه‌ إلی‌ أن‌ اعتلي‌ المعتصم‌ منصّة‌ الحكم‌ سنة‌ 218، فاستدعي‌ الجواد ومعه‌ زوجته‌ أُمّ الفضل‌، وقد علم‌ بانحرافها عن‌ أبي‌ جعفر فأرادها ذريعة‌ لنفوذ تدبيره‌ في‌ أبي‌ جعفر. ولم‌ يكن‌ المعتصم‌ شقيق‌ المأمون‌ في‌ دهائه‌ ولا رضيع‌ لبانه‌ في‌ سياسته‌. ومن‌ ثمّ انتفضت‌ عليه‌ كثير من‌ البلاد، وخلعوا ربقة‌ الطاعة‌، واستقلّوا بالامر. فكان‌ لقرب‌ غوره‌ يضيّق‌ علی الجواد مرّة‌، ويوسّع‌ عليه‌ أُخري‌، ويحبسه‌ مرّة‌ ويطلقه‌ تارة‌.

 وكان‌ يجمع‌ له‌ العلماء ليحاججوه‌ زعماً منه‌ أن‌ يجد له‌ زلّة‌ يؤاخذه‌ فيها أو يسقط‌ مقامه‌ بها. وزوّر عليه‌ مرّة‌ كتباً تنضمّن‌ الدعوة‌ لبيعته‌، فلايكون‌ مغبّة‌ ذلك‌ إلاّ إعلاء شأن‌ أبي‌ جعفر وإظهار الكرامة‌ والفضل‌ له‌. فكان‌ المعتصم‌ لا يزداد لذلك‌ إلاّ حنقاً وغيظاً، ولا يقوي‌ علی كتمان‌ ما يسّره‌ من‌ الحسد والحقد، فحبسه‌ مرّة‌. وما أخرجه‌ من‌ السجن‌ حتّي‌ دبّر الامر في‌ قتله‌. وذلك‌ أن‌ قدّم‌ لزوجته‌ ابنة‌ المأمون‌ سمّاً، وحملها علی أن‌ تدفعه‌ للإمام‌ فأجابته‌ إلی‌ ما أراد.

 فمات‌ قتيلاً بسمّ المعتصم‌. وعندما شاهدت‌ أثر السمّ قدبان‌ في‌ بدن‌ الإمام‌، تركته‌ وحيداً في‌ الدار، حتّي‌ قضي‌ نحبه‌، واحتشدت‌ الشيعة‌ علی الدار واستخرجوا جنازته‌، والسيوف‌ علی عواتقهم‌. وقد تعاقدوا علی الموت‌، لانّ المعتصم‌ حاول‌ أن‌ يمنعهم‌ عن‌ تشييعه‌.

 وتعرف‌ من‌ مثل‌ هذه‌ الحادثة‌ كثرة‌ الشيعة‌ ذلك‌ إلیوم‌ في‌ بغداد، وقوّتهم‌ علی المراس‌. ومن‌ كثرة‌ الرواة‌ منهم‌ تعرف‌ كثرة‌ العلم‌ فيهم‌. ومن‌ كثرة‌ الحجاج‌ والجدال‌ لاسيّما في‌ الإمامة‌ تعرف‌ قوّة‌ الحجة‌ عندهم‌، وقوّة‌ الكفاح‌ عن‌ المذهب‌، واتّضاح‌ أمرهم‌.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ عليّ الهاديّ عليه‌ السلام‌ [16]

 قضي‌ الجواد نحبه‌، والهاديّ ابن‌ ستّ أو ثمان‌ كما جاءت‌ الإمامة‌ أباه‌ وهو ابن‌ سبع‌. فكان‌ موئل‌ الشيعة‌ ومرجعهم‌ ومنهل‌ ورّاد العلم‌ ومرتع‌ روّاده‌، فنهلوا من‌ مشرعته‌، ورتعوا الخصب‌ من‌ ربيعه‌، كما كان‌ حالهم‌ مع‌ آبائه‌ الغُرّ. وهذا أمر يسترعي‌ الانتباه‌، ويستلف‌ الانظار.

 أيُحسن‌ ابن‌ هذه‌ السنّ من‌ الناس‌ القراءة‌ والكتابة‌ دون‌ أن‌ يكون‌ له‌ شي‌ء من‌ معرفة‌ أو علم‌؟!

 فكيف‌ يكون‌ جامعة‌ العلوم‌ لا يُسأل‌ عن‌ شي‌ء إلاّ والجواب‌ لديه‌ حاضذر؟ ولا يبتدي‌ء في‌ البيان‌ عن‌ مسألة‌ إلاّ وأبهر العقول‌ فيما يبديه‌! أيجوز هذا في‌ غير من‌ ألهمه‌ الله‌ العلم‌ والعرفان‌؟! ولو كان‌ علی غير تلك‌ الحال‌ من‌ العلم‌ الإلهيّ، لما انقادت‌ إلیه‌ خاضعة‌ شيوخ‌ الفضل‌ والعلم‌، وأخذت‌ عنه‌ أخذ مأموم‌ عن‌ إمام‌، ورأت‌ فيه‌ أ نّه‌ الحجّة‌ من‌ الله‌ والمعصوم‌ عن‌ الرجس‌، والعالم‌ بكلّ شي‌ء. ولو لم‌ يكن‌ كما رأوه‌ وشاهدوه‌ لكذّبت‌ الحوادث‌ والامتحانات‌ ذلك‌ الرأي‌ والعقيدة‌ فيه‌.

 بقي‌ الهاديّ عليه‌ السلام‌ في‌ المدينة‌، والشيعة‌ نافرة‌ إلیه‌ للتفقّه‌ في‌ الدين‌ واغتنام‌ محاسن‌ الاخلاق‌ حتّي‌ سنة‌ 236. وكانت‌ ناصية‌ الحكم‌ يومئذٍ بِيَدِ المتوكّل‌، وهو شديد البغض‌ لعليٍّ ولاهل‌ بيته‌ عليهم‌ السلام‌. وزاد في‌ الطين‌ بلّة‌ أ نّه‌ أُحيط‌ بندماء قد اشتهروا بالنصب‌ والبغض‌ لعليٍّ. منهم‌: عليّ ابن‌ الجَهم‌ الشاعر الشاميّ من‌ بني‌ شامة‌، و عمرو بن‌ فرُّخ‌ الرَّخجِيّ، وأبو السِّمط‌ من‌ ولد مروان‌ بن‌ أبي‌ حفصة‌ من‌ موإلی‌ بني‌ أُميّة‌، و عبدالله‌بن‌ محمّد بن‌ داود الهاشميّ المعروف‌ بابن‌ أُتْرُجَة‌. وكانوا يخوّفونه‌ من‌ العلويّين‌، ويشيرون‌ عليه‌ بإبعادهم‌ والإعراض‌ عنهم‌ والإساءة‌ إلیهم‌. ثمّ حسّنوا له‌ الوقيعة‌ في‌ أسلافهم‌ الذين‌ يعتقد الناس‌ علوّ منزلتهم‌ في‌ الدين‌، ولم‌ يبرحوا به‌ حتّي‌ ظهر منه‌ ما هو معروف‌.

 وممّا ذكره‌ ابن‌ الاثير في‌ حوادث‌ سنة‌ 236، في‌ تاريخه‌، ج‌ 7، ص‌18؛ وابن‌ جرير في‌ ج‌ 11، ص‌ 44؛ وصاحب‌ « فوات‌ الوفيّات‌ » ج‌ 1، ص‌ 133، فعله‌ بقبر الحسين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ الهدم‌ والحرث‌ والبذر والسقي‌ ومنع‌ الناس‌ من‌ زيارته‌ إلی‌ غير ذلك‌ ممّا هو مشهور عنه‌. وقال‌ صاحب‌ « فوات‌ الوفيّات‌ »: وكان‌ معروفاً بالنصب‌ فتألّم‌ المسلمون‌ لذلك‌. وكتب‌ أهل‌ بغداد شتمه‌ علی الحيطان‌. وهجاه‌ دِعْبل‌ الخُزاعيّ وغيره‌. وفي‌ ذلك‌ يقول‌ ابن‌ السِّكِّيت‌، وقيل‌: هي‌ للبَسَّاميّ:

 تَاللَهِ إنْ كَانَتْ أُمَيَّةُ قَدْ أَتَتْ                      قَتْلَ ابْنِ بِنْتِ نَبِيِّهَا مَظْلُومَا

 فَلَقَدْ أَتَتْهُ بَنُو أَبِيهِ بِمِثْلِهِ              فَغَدَا لَعَمْرُكَ قَبْرُهُ مَهْدُومَا

 أَسْفُوا علی أَنْ لاَ يَكُونُوا شَارَكُوا             فِي‌ قَتْلِهِ فَتَتَبَّعُوهُ رَمِيمَا

 وما اقتصر علی ما فعله‌ بقبر الحسين‌ عليه‌ السلام‌ من‌ الإساءة‌ لاهل‌ البيت‌ وأوليائهم‌ بل‌ جَدَّ في‌ النيل‌ من‌ العلويّة‌ نسباً ومذهباً. واستقدم‌ أبا الحسن‌ الهاديّ عليه‌ السلام‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ سامراء في‌ سنة‌ 236، وأبقاه‌ في‌ سامراء يتعاهده‌ بالاذي‌ والسوء كما يتعاهد المحبّ حبيبه‌ بالتحف‌ والطرف‌.

 وقد وجد أعداء آل‌ محمّد انحراف‌ المتوكّل‌ عنهم‌ ذريعة‌ للإساة‌ة‌ إلی‌ أبي‌ الحسن‌ عليه‌ السلام‌، فسعوا به‌ إلی‌ المتوكّل‌، وأخبروه‌ أنّ في‌ منزله‌ سلاحاً وكتباً وغيرها من‌ شيعته‌. فوجّه‌ إلیه‌ ليلاً من‌ هجم‌ عليه‌ الدار علی غرّة‌، فوجدوه‌ في‌ بيت‌ وحده‌، وعليه‌ مدرعة‌ من‌ شعر، وعلی رأسه‌ ملحفة‌ من‌ صوف‌ ولا بساط‌ في‌ البيت‌ إلاّ الرمل‌ والحصي‌ متوجّهاً إلی‌ ربّه‌ يترنّم‌ بآيات‌ من‌ القرآن‌ في‌ الوعد والوعيد. فأُخذ علی ما وُجد وحمل‌ إلی‌ المتوكّل‌. [17]

 وما كان‌ ذلك‌ بأوّل‌ سعي‌ ولا أوّل‌ هجوم‌ علی داره‌ من‌ المتوكّل‌. وكلّما أغراه‌ أُولئك‌ النواصب‌ خفّ به‌ بغضه‌ إلی‌ الإجابة‌ لسعيهم‌، وإن‌ وجد كذب‌ ما قالوه‌.

 فكان‌ المتوكّل‌ دائباً علی ذلك‌ الاذي‌، وتلك‌ الإساءة‌ لابي‌ الحسن‌ من‌ دون‌ رحمة‌ ولا هوادة‌، إلی‌ أن‌ قتله‌ ابنه‌ المنتصر انتقاماً لاميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌ لما شاهده‌ منه‌ ومن‌ الفتح‌ بن‌ خاقان‌ وجلسائه‌ من‌ المسّ بكرامة‌ المرتضي‌ عليه‌ السلام‌ والاستخفاف‌ بحرمته‌.

 وما زال‌ الهاديّ عليه‌ السلام‌ مقيماً في‌ سامراء إلی‌ أن‌ مات‌ مسموماً بها بسمّ المعتزّ العبّاسي‌ سنة‌ 254. فكانت‌ مدّة‌ إقامته‌ فيها ثمان‌ عشرة‌ سنة‌ يتجرّع‌ غصص‌ الآلام‌ من‌ بني‌ العبّاًس‌، من‌ مَلِكٍ لآخر. وكان‌ أكثر أيّامه‌ سجين‌ الدار لا يصل‌ إلیه‌ شيعته‌ إلاّ اختلاساً علی كثرة‌ الشيعة‌ في‌ هذا العهد، وكثرة‌ احتياجهم‌ إلی‌ رؤية‌ الإمام‌ وأخذ معالم‌ الدين‌ عنه‌. وكان‌ جلّ استفاداتهم‌ منه‌ بتوسّط‌ رجال‌ معدودين‌ من‌ قوّامه‌ يتردّدون‌ عليه‌. وربّما قصدوا الشيعة‌ في‌ بلادهم‌.

 وفي‌ هذا العصر كان‌ صوت‌ التشيّع‌ جهيراً، وعلماؤه‌ تناضل‌ وتناظر. وكثرت‌ التإلیف‌ في‌ كلّ علم‌، واتّسعت‌ في‌ الاخلاق‌ والكلام‌ خاصّة‌.

 مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ العسكريّ عليه السلام‌ [18]

 جاء الحسن‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌ من‌ المدينة‌ مع‌ أبيه‌ الهاديّ عليه‌ السلام‌ يوم‌ استقدمه‌ المتوكّل‌. ومازال‌ مع‌ أبيه‌ إلی‌ أن‌ التحق‌ أبوه‌ بالرفيق‌ الاعلی. ويبقي‌ هو مدّة‌ إمامته‌ القصيرة‌ في‌ سامراء. وقضي‌ أيّام‌ حياته‌ التي‌ في‌ سامراء في‌ نكد وأذي‌، فكان‌ شريك‌ أبيه‌ الهاديّ فيما أصابه‌. وانفرد بعد أبيه‌ فيما قصده‌ به‌ العبّاسيّون‌ من‌ سوء. وكان‌ حالهم‌ معه‌ من‌ الإساءة‌ والغضّ من‌ مقامه‌ والتضييق‌ عليه‌ والسجن‌ كحالهم‌ مع‌ أبيه‌، دون‌ أن‌ يلاقي‌ منهم‌ فسحة‌ أو إرفاقاً.

 والشيعة‌ في‌ أيّامه‌ كحالها مع‌ أبيه‌. وأصبحت‌ قم‌ في‌ عهده‌ وعهد أبيه‌ من‌ قبل‌ عاصمة‌ كبري‌ من‌ عواصم‌ العلم‌ الشيعيّة‌. وفيها من‌ رواتهما ما لاعدّ له‌، ومن‌ المؤلّفين‌ في‌ الحديث‌ وفنون‌ العلم‌ جمّ غفير.

 وكان‌ في‌ سامراء وماجاورها من‌ الشيعة‌ عدد لا يستهان‌ به‌. وفي‌ بغداد خلق‌ كثير. وكانت‌ المدائن‌ يومئذٍ عامرة‌، وللتشيّع‌ فيها القِدْحُ المُعلی. [19]ومازالت‌ المواصلات‌ بينهم‌ وبين‌ الإمام‌ متوإلیة‌. ولعلّ سلمان‌ الفارسيّ! أوّل‌ من‌ وضع‌ فيها حجر التشيّع‌. وبني‌ عليه‌ حذيفة‌ بن‌ إلیمان‌.

 ولا تسل‌ عن‌ الكوفة‌ في‌ ذلك‌ إلیوم‌، بل‌ وفيما قبله‌ وما بعده‌، فإنّها من‌ أكبر مدن‌ الشيعة‌ في‌ الولاء... وما زال‌ العبّاسيّون‌ علی حالهم‌ مع‌ الإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌ إلی‌ أن‌ اغتاله‌ المعتمد العبّاسيّ بالسمّ. ومازال‌ الشيعة‌ علی ذلك‌ الشأن‌ إلی‌ أن‌ قبض‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ المهديّ عليه‌ السلام‌

 كان‌ مولد الإمام‌ المهديّ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ يوم‌ الجمعة‌ في‌ النصف‌ من‌ شعبان‌ سنة‌ 255.[20] وكان‌ الإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌ يخاف‌ عليه‌ ويحتفظ‌ به‌، ولا يسمح‌ لكلّ أحد بمشاهدته‌. وما رآه‌ أيّام‌ أبيه‌ إلاّ النزر من‌ الشيعة‌. وكيف‌ لا يهمّه‌ المحافظة‌ عليه‌ وهو آخرهم‌، وبه‌ إحياء الشيعة‌، وَبِهِ يَمْلاُ اللَهُ الاَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً؟! وكيف‌ لا يخشي‌ عليه‌ وبنو العبّاس‌ يرتقبون‌ ولادته‌ ليقضوا عليه‌؟! فكانت‌ غيبته‌ الصغري‌ من‌ يوم‌ مولده‌. وهذا لايختلف‌ فيه‌ اثنان‌ من‌ الشيعة‌. وأشار إلیه‌ بعض‌ أهل‌ السنّة‌ أيضاً مثل‌ ابن‌ الصبّاغ‌ المالكيّ في‌ كتابه‌ « الفصول‌ المهمّة‌ »، في‌ الفصل‌ الحادي‌ عشر في‌ أُخريات‌ ترجمة‌ الإمام‌ العسكريّ عليه‌ السلام‌.

 قال‌: « وخلف‌ أبو محمّد الحسن‌ من‌ الولد ابنه‌ الحجّة‌ القائم‌ المنتظر لدولة‌ الحقّ. وكان‌ قد أخفي‌ مولده‌ وستر أمره‌ لصعوبة‌ الوقت‌، وخوف‌ السلطان‌، وتطلّبه‌ للشيعة‌ وحبسهم‌ والقبض‌ عليهم‌ ».

 ولمّا قضي‌ أبو محمّد الحسن‌ عليه‌ السلام‌، جدّ المعتمد العبّاسيّ في‌ العثور علی الإمام‌ المهديّ، حتّي‌ حبس‌ جواري‌ العسكريّ، وجعل‌ عليهنّ الرصد خشية‌ أن‌ يكون‌ عند إحداهنّ حمل‌ من‌ الإمام‌، فأخفاه‌ الله‌ عنه‌ وعن‌ أعدائه‌ ليوم‌ يريد به‌ أن‌ يطهّر الارض‌ من‌ الجور والطغيان‌ والشرك‌، ويستبدل‌ عنها العدل‌ والامن‌ والإيمان‌.

 وبعد أبيه‌ العسكريّ عليهما السلام‌ جعل‌ بينه‌ وبين‌ الشيعة‌ سفراء أربعة‌، وهم‌ عثمان‌ بن‌ سعيد العُمَريّ، وكان‌ من‌ وكلاء جدّه‌ وأبيه‌؛ وابنه‌ محمّد بن‌ عثمان‌، وكان‌ من‌ وكلاء أبيه‌ أيضاً؛ والحسين‌ بن‌ روح‌ النوبختيّ؛ و عليّ بن‌ محمّد السَّمُريّ. [21]

 وتنتقل‌ السفارة‌ لاحدهم‌ بعد موت‌ الآخر. فكانت‌ لمحمّد بعد أبيه‌، ثمّ للحسين‌ بعد محمّد، ثمّ لعليّ السمريّ بعد الحسين‌. وبعد موت‌ السمريّ سنة‌ 329 انقطعت‌ السفارة‌. وكان‌ مسكنهم‌ جميعاً ببغداد، وبها مواضع‌ قبورهم‌. وهي‌ إلیوم‌ معروفة‌ وتُزار.

 وكان‌ هؤلاء السفراء وسطاء بين‌ الشيعة‌ والإمام‌ لحمل‌ أسئلتهم‌ إلیه‌ وأخذ الجواب‌ منه‌ بتوقيعه‌ إلیهم‌. والسفير هو أُستاذ التدريس‌ في‌ وقته‌، يحمل‌ إلی‌ ورّاد العلم‌ علوم‌ الإمام‌ الغائب‌. ومن‌ بعدهم‌ انقطع‌ الوصول‌ إلیه‌ والاخذ عنه‌ رأساً، وانحصر أخذ الاحكام‌ بالاجتهاد.

 وكان‌ للإمام‌ عليه‌ السلام‌ في‌ هذه‌ الغيبة‌ الصغري‌ وكلاء كثيرون‌ في‌ بغداد وغيرها، غير أنّ السفارة‌ مختصّة‌ بهؤلاء الاربعة‌ المعروفين‌ بالنُّوّاب‌. كما ادّعي‌ جماعة‌ الوكالة‌ والنيابة‌ عنه‌ جاء التوقيع‌ منه‌ بتكذيبهم‌ والبراءة‌ منهم‌. ( انظر: « الغيبة‌ » للشيخ‌ الطوسيّ، ص‌ 285 إلی‌ 272 ).

 وفي‌ أيّام‌ الغيبة‌ الصغري‌ كان‌ التشيّع‌ كنور علی عَلَم‌، لاسيّما في‌ العراق‌ وإيران‌. وكانت‌ بغداد وقم‌ مهبط‌ طلاّب‌ العلم‌، وفيهما أساتذة‌ الدراسة‌ ورجال‌ التالیف‌.

  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ الغيبة‌ الكبري‌

 انتهت‌ الغيبة‌ الصغري‌ بموت‌ السمريّ رضوان‌ الله‌ عليه‌ سنة‌ 329. وبعدها وقعت‌ الغيبة‌ الكبري‌، وعنها يخرج‌ عجّل‌ الله‌ فرجه‌ وسهّل‌ مخرجه‌. والفارق‌ بين‌ الغيبتَين‌ أنّ الصغري‌ توفّق‌ لمشاهدته‌ والاجتماع‌ به‌ خواصّ موإلیه‌. وفي‌ هذه‌ الكبري‌ التي‌ نحن‌ فيها لا يتوفّق‌ لذلك‌ إلاّ خواصّ الخواصّ.

 وَفَّقَنَا اللَهُ تَعَإلی‌ لِمُشَاهَدَةِ تِلْكِ الطَّلْعَةِ الرَّشِيدَةِ، وَالغُرَّةِ الحَمِيدَةِ، وَجَعَلْنَا مِنْ أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ فِي‌ وَعِنْدَ ظُهُورِهِ، إنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ. [22]

 

ارجاعات


[1] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» للمظفّر، ص‌ 31 إلی‌ 41.

كان‌ الكثير من‌ حكّام‌ الجور في‌ بادي‌ أمرهم‌ من‌ أهل‌ الزهد والعبادة‌

 من‌ الجدير ذكره‌ أنّ كثيراً من‌ سلاطين‌ الجور وأُمرائهم‌ كانوا في‌ درجة‌ الكمال‌ من‌ حيث‌ الزهد والعبادة‌ والعلم‌ بالقرآن‌ والسنّة‌ والفصاحة‌ والبلاغة‌، بَيدَ أنّ عدم‌ وصول‌ روح‌ إلیقين‌ إلی‌ سويداء قلوبهم‌ جعلهم‌ أسري‌ الغرور وشهوة‌ الرئاسة‌، فتجاهروا بارتكاب‌ المحرّمات‌ الشرعيّة‌ والجرائم‌ والانتهاكات‌ التي‌ لا يمكن‌ حملها إلاّ علی‌ حبّ الجاه‌ والرئاسة‌ وكان‌ السلاطين‌ الاُوَل‌ من‌ هذا الضرب‌. وكذلك‌ كان‌ عبدالله‌ بن‌ الزبير، والمأمون‌ العبّاسيّ، وعبدالملك‌ بن‌ مروان‌، والحجّاج‌ بن‌ يوسف‌ الثقفيّ. وكان‌ الحجّاج‌ من‌ نوادر عصره‌ في‌ الفصاحة‌ والبلاغة‌ وإلقاء الخطب‌ الصحيحة‌ الخإلیة‌ من‌ اللحن‌. كما كان‌ حافظاً للقرآن‌. وكان‌ يأمر بقتل‌ الابرياء علی‌ أساس‌ الاستدلال‌ بالآيات‌ القرآنيّة‌. ووطّد عرش‌ الاستبداد والظلم‌ لعبد الملك‌ بن‌ مروان‌ بالشام‌ مستنداً إلی‌ آية‌ (أُولو الامر). وكان‌ عبدالملك‌ قبل‌ تقلّده‌ الامر حليف‌ المسجد النبويّ والصوم‌ والصلاة‌ والقرآن‌ والعلم‌ وبيان‌ السنّة‌ حتّي‌ عدّه‌ البعض‌ أحد فقهاء المدينة‌. وبهذه‌ الهئية‌ الجميلة‌ التي‌ تهواها الافئدة‌ دخل‌ سلك‌ الحكومة‌ الجائرة‌. وبمظهر يتجلّي‌ فيه‌ أنّ الحقّ معه‌ تعسّف‌ علی‌ أئمّة‌ الشيعة‌ وظلمهم‌ وعزلهم‌ وسجنهم‌ وقتلهم‌ وهدم‌ دورهم‌ وشردّهم‌. وقد سفك‌ دماء المظلومين‌ سفكاً قلّما شهدته‌ السماء، ورفع‌ كأس‌ الشراب‌ وأغدق‌ العطاء علی‌ الشعراء الخمّارين‌ المادحين‌ لبني‌ أُميّة‌ بنحو لم‌ يشهد له‌ الدهر علی‌ كرور أيّامه‌ مثيلاً.

 ذكر السيوطيّ في‌ «تاريخ‌ الخلفاء» ص‌ 214 إلی‌ 222، الطبعة‌ الرابعة‌، تاريخ‌ عبدالملك‌. وننقل‌ فيما يأتي‌ موجزاً منه‌ كدليل‌ علی‌ ما أرودناه‌ عنه‌: في‌ عام‌ 73 حيث‌ كان‌ ملكه‌ هدم‌ الحجّاج‌ الكعبة‌ وأعادها علی‌ ما هي‌ علیه‌ الآن‌، ودسّ علی‌ ابن‌ عمر مَن‌ طعنه‌ بحربة‌ مسمومة‌، فمرض‌ منها ومات‌، وفي‌ سنة‌ 74 سار الحجّاج‌ إلی‌ المدينة‌، وأخذ يتعنّت‌ علی‌ أهلها، ويستخّف‌ ببقايا مَن‌ فيها من‌ صحابة‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وختم‌ في‌ أعناقهم‌ وأيديهم‌، يذلّهم‌ بذلك‌ كأنس‌ بن‌ مالك‌، وجابربن‌ عبدالله‌، وسهل‌ بن‌ سعد الساعديّ. فَإنَّا لِلَّهِ وَإنَّا إلیهِ رَاجِعُونَ. 1 قال‌ ابن‌ سعد في‌ عبدالملك‌: كان‌ عابداً زاهداً ناسكاً بالمدينة‌ قبل‌ الخلافة‌. وقال‌ يحيي‌ الغسّانيّ: كان‌ عبدالملك‌ كثيراً ما يجلس‌ إلی‌ أُمّ الدرداء، فقالت‌ له‌ مرّة‌: بَلَغَنِّي‌ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ أَ نَّكَ شَرِبْتَ الطِّلاَءَ بَعْدَ النُّسْكِ وَالعِبَادَةِ؟! قَالَ: إي‌ وَاللَهِ! وَالدِّمَاءَ قَدْ شَرِبْتُهَا!

 وقال‌ نافع‌: لقد رأيتُ المدينة‌ وما بها شابٌّ أشدّ تشميراً، ولا أفقه‌، ولا أنسك‌، ولا أقرأ لكتاب‌ الله‌ من‌ عبدالملك‌ بن‌ مروان‌. وقال‌ أبو الزناد: فقهاء المدينة‌: سعيد بن‌ المسيِّب‌، وعبدالملك‌ بن‌ مروان‌، وعروة‌ بن‌ الزبير، وقبيصة‌ بن‌ ذؤيب‌. وقيل‌ لابن‌ عمر: إنّكم‌ معشر أشياخ‌ قريش‌ يوشك‌ أن‌ تنقرضوا، فمن‌ نسأل‌ بعدكم‌؟ فقال‌: إنّ لمروان‌ ابناً فيها فاسألوه‌! وكان‌ لعبد الملك‌ صديق‌، فضرب‌ يوماً علی‌ منكبه‌، وقال‌: اتّق‌ الله‌ في‌ أُمّة‌ محمّد إذا ملكتهم‌! فقال‌: دعني‌ ويحك‌ ما شأني‌ وشأن‌ ذلك‌! فقال‌: اتّق‌ الله‌ في‌ أمرهم‌! وجهّز يزيد جيشاً إلی‌ أهل‌ مكّة‌، فقال‌ عبدالملك‌: أَعُوذُ بِاللَهِ! أُيَبْعَثُ إلی‌ حَرَمِ اللَهِ؟! فضرب‌ يوسف‌ ـ وكان‌ يهوديّاً فأسلم‌ ـ منكبه‌، وقال‌: جَيْشُكَ إلیهِمْ أَعْظَمُ. وقال‌ يحيي‌ الغسّانيّ: لمّا نزل‌ مسلم‌ بن‌ عقبة‌ المدينة‌، دخلتُ مسجد رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، فجلستُ إلی‌ جنب‌ عبدالملك‌، فقال‌ لي‌ عبدالملك‌: أمن‌ هذا الجيش‌ أنتَ؟ قلتُ: نعم‌. قال‌: ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ! أتدري‌ إلی‌ من‌ تسير؟ إلی‌ أوّل‌ مولود ولد في‌ الإسلام‌، وإلی‌ ابن‌ حواريّ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌، وإلی‌ ابن‌ ذات‌ النطاقَين‌، وإلی‌ من‌ حنّكه‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ علیه‌ وآله‌. أما والله‌ إن‌ جئتَه‌ نهاراً وجدتَه‌ صائماً! ولئن‌ جئتَه‌ ليلاً لتجدنّه‌ قائماً! فلو أنّ أهل‌ الارض‌ أطبقوا علی‌ قتله‌ لاكبّهم‌ الله‌ جميعاً في‌ النار. فلمّا صارت‌ الخلافة‌ إلی‌ عبدالملك‌ وَجَّهَنَا مَع‌ الحجّاج‌ حتّي‌ قلناه‌. وقال‌ ابن‌ أبي‌ عائشة‌: أفضي‌ الامر إلی‌ عبدالملك‌ والمصحف‌ في‌ حجره‌، فأطبقه‌ وقال‌: هَذَا آخِرَ العَهْدِ بِكَ. وقال‌ مالك‌: سمعتُ يحيي‌ بن‌ سعيد يقول‌: أوّل‌ من‌ صلّي‌ في‌ المسجد ما بين‌ الظهر والعصر عبدالملك‌ بن‌ مروان‌ وفتيان‌ معه‌. كانوا إذا صلّي‌ الإمام‌ الظهر قاموا فصلّوا إلی‌ العصر. فقيل‌ لسعيد بن‌ المسيِّب‌: لو قمنا فصلّينا كما يصلّي‌ هؤلاء: فقال‌ سعيد بن‌ المسيِّب‌: لَيْسَتِ العِبَادَةُ بِكَثْرَةِ الصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ! وَإنَّمَا العِبَادَةُ التَّفَكُّرُ فِي‌ أَمْرِ اللَهِ وَالوَرَعُ عَنْ مَحَارِمِ اللَهِ. وكان‌ مروان‌ بن‌ الحكم‌ ولّي‌ العهد عمرو بن‌ سعيد بن‌ العاص‌ بعد ابنه‌، فقتله‌ عبدالملك‌. وكان‌ قتله‌ أوّل‌ غدرٍ في‌ الإسلام‌. فقال‌ بعضهم‌:

 يَا قَوْمِ لاَ تُغْلَبُوا عَنْ رَأْيِكُمْ فَلَقَدْ                              جَرَّبْتُمُ الغَدْرَ مِنْ أَبْنَاءِ مَرْوَانَا

 أَمْسَوْا وَقَدْ قَتَلُوا عَمْراً وَمَا رَشَدُوا                        يَدْعُونَ غَدْراً بِعَهْدِ اللَهِ كَيْسَاناً

 وَيَقْتُلُونَ الرِّجَالَ البُزْلَ ضَاحِيَةً                                لِكَيْ يُوَلُّوا أُمُورَ النَّاسِ وِلْدَانَا

 تَلاَعَبُوا بِكِتَابِ اللَهِ فَاتَّخَذُوا                    هَوَاهُمُ فِي‌ مَعَاصِي‌ اللَهِ قُرْآنَا

 وقال‌ عبدالملك‌ في‌ وصيّته‌ لابنه‌ الوليد: يا وليد اتَّقِ اللَهَ فِيمَا أَخْلَقَكَ فِيهِ. إلی‌ أن‌ قال‌: وانظر الحجّاج‌ فأكرمه‌ فإنّه‌ هو الذي‌ وطّأ لكم‌ المنابر! وهو سيفُك‌ يا وليد، ويدُك‌ علی‌ من‌ ناوأك‌! فلا تسمعنّ فيه‌ قولَ أحد! وأنت‌ إلیه‌ أحوج‌ منه‌ إلیك‌، وادع‌ الناس‌ إذا متُّ إلی‌ البيعة‌. فمن‌ قال‌ برأسه‌ هكذا (أي‌: لا أُبايع‌!) فقل‌ بسيفك‌ هكذا (أي‌: أفصل‌ رأسك‌ عن‌ بدنك‌!) ولمّا احتضر عبدالملك‌، دخل‌ علیه‌ ابنه‌ الوليد، فتمثّل‌ بهذا:

 كَمْ عائِدٍ رَجُلاً وَلَيْسَ يَعُودُهُ                      إلاَّ لِيَعْلَمَ هَلْ يَرَاهُ يَمُوتُ؟

 فبكي‌ الوليد. فقال‌: ما هذا؟ أتحنّ حنين‌ الاَمَة‌؟! إذا أنا متُّ، فشمرّ، وائتزر، والبس‌ جلد النمر! وضع‌ سيفك‌ علی‌ عاتقك‌! فمن‌ أبدي‌ ذاتَ نفسه‌ لك‌ فاضرب‌ عنقه‌. ومن‌ سكت‌ مات‌ بدائه‌. قال‌ السيوطيّ هنا: لو لم‌ يكن‌ من‌ مساوي‌ عبدالملك‌ إلاّ الحجّاج‌ وتوليته‌ إيّاه‌ علی‌ المسلمين‌ وعلی‌ الصحابة‌ رضي‌الله‌ عنهم‌ يُهنيهم‌ ويذلّهم‌ قتلاً وضرباً وشتماً وحبساً. وقد قتل‌ من‌ الصحابة‌ وأكابر التابعين‌ ما لا يُحصي‌ فضلاً عن‌ غيرهم‌. وختم‌ في‌ عنق‌ أنس‌ وغيره‌ من‌ الصحابة‌ ختماً، يريد بذلك‌ ذلّهم‌، فَلاَ رَحِمَةُ اللَهُ وَلاَ عَفَا عَنْهُ. ومن‌ شعر عبدالملك‌:

 بِعُمْرِي‌ لَقَدْ عُمِرْتُ فِي‌ الدَّهْرِ بُرْهَةً                       وَدَانَتْ لِي‌ الدُّنْيَا بِوَقَعِ البَوَاتِر

 فَأَضْحَي‌ الَّذِي‌ قَدْ كَانَ مِمَّا يَسُرُّنِي‌                      كَلَمْحٍ مَضَي‌ فِي‌ المُزْمِنَاتِ الغَوَابِرِ

 فَيَإلیتَنِي‌ لَمْ أُعْنَ بِالمُلْكِ سَاعَةً                             وَلَمْ أَلْهُ فِي‌ لَذَّاتِ عَيْشٍ نَوَاضِرِ

 وَكُنْتُ كَذِي‌ طِمْرَيْنِ عَاشَ بِبُلْغَةٍ                              مِنَ الدَّهْرِ حَتَّي‌ زَارَ ضَنْكَ المَقَابِرِ

 وعن‌ الاصمعيّ قال‌: أربعة‌ لم‌ يلحنوا في‌ جدٍّ ولا هزل‌: الشعبيّ، وعبدالملك‌ بن‌ مروان‌، والحجّاج‌ بن‌ يوسف‌، وابن‌ القرِّيَّة‌. وقال‌ أبو عبيدة‌: لمّا أنشد الاخطل‌ كلمته‌ لعبد الملك‌ التي‌ يقول‌ فيها:

 شُمْسُ العَدَوَاةِ حَتَّي‌ يُسْتَافَدَ لَهُمْ 2                      وَأَعْظَمُ النَّاسِ أَحْلاَماً إذَا قَدَرُوا

 قال‌: خذ بيده‌ يا غلام‌ فأخرجه‌ ثمّ ألقِ علیه‌ من‌ الخلع‌ ما يغمره‌. ثمّ قال‌: إنّ لكلّ قومٍ شاعراً، وشاعر بني‌ أُميّة‌ الاخطل‌. وقال‌ الاصمعيّ: دخل‌ الاخطل‌ علی‌ عبدالملك‌، فقال‌: وَيْحَكَ صِفْ لِي‌َ السُّكْرَ! قَالَ: أَوَّلُهُ لَذَّةٌ، وَآخِرُهُ صُدَاعٌ، وَبَيْنَ ذَلِكَ حَالَةٌ لاَ أَصِفُ لَكَ مَبْلَغَهَا، فَقَالَ: مَا مَبْلَغُهَا؟ فَقَالَ: لَمُلْكُكَ يَا أَمِيرَالمُؤْمِنِينَ ] عِنْدَهَا [ أَهْوَنُ علی مِنْ شِسْعِ نَعلی‌! وأنشأ يقول‌:

 إذَا مَا نَدِيمِي‌ عَلَّنِي‌ ثُمَّ عَلَّنِي‌                                ثَلاَثَ زُجَاجَاتٍ لَهُنَّ هَدِيرُ

 خَرَجْتُ أَجُرُّ الذَّيْلَ تِيهاً                            كَأَنَّنِي‌ علیكَ أَمِيرَالْمُؤْمِنِينَ أَمِيرُ

 إلی‌ أن‌ قال‌: وممّن‌ مات‌ في‌ أيّام‌ عبدالملك‌ من‌ الاعلام‌ أيّوب‌ بن‌ القرِّيَّة‌ الذي‌ يضرب‌ به‌ المثل‌ في‌ الفصاحة‌.

 وقال‌ المحدِّث‌ القمّيّ في‌ «تتمّة‌ المنتهي‌» ص‌ 83 و 84، الطبعة‌ الثالثة‌ (ما تعريبه‌): كان‌ عبدالملك‌ بن‌ مروان‌ قبل‌ جلوسه‌ علی‌ العرش‌ ملازماً للمسجد تإلیاً للقرآن‌، حتّي‌ قيل‌ فيه‌: «حَمَامَةُ المَسْجِدِ»، ولمّا بلغه‌ خبر تقلّده‌ للامر كان‌ يتلوا القرآن‌ فأطبقه‌ وقال‌: سَلام‌ علیك‌! هذا فراق‌ بيني‌ وبينك‌. قال‌ الراغب‌ في‌ «المحاضرات‌» بعد نقل‌ هذه‌ القضيّة‌ ما مضمونه‌: كان‌ عبدالملك‌ يقول‌: كنت‌ أتحرّج‌ من‌ قتل‌ نملة‌ والآن‌ يكتب‌ لي‌ الحجّاج‌ أ نّه‌ قتل‌ فئاماً من‌ الناس‌ ولم‌ يؤثّر فيّ. وقال‌ في‌ ص‌ 96 و 97: كان‌ الحجّاج‌ يخبر أنّ أكثر لذّاته‌ في‌ إراقه‌ الدماء. وأُحصي‌ مَن‌ قتلهم‌ الحجّاج‌ سوي‌ من‌ قُتل‌ في‌ بعوثه‌ وعساكره‌ فوجد مائة‌ وعشرون‌ ألفاً، ووجد في‌ حبسه‌ بعد هلاكه‌ خمسون‌ ألف‌ رجل‌ وثلاثون‌ ألف‌ امرأة‌ منهم‌ اثنا عشر ألفاً عراة‌. وكان‌ حبس‌ الرجال‌ والنساء في‌ مكان‌ واحد، ولم‌ يكن‌ في‌ حبسه‌ سقف‌ ولا ظلّ. وروي‌ أ نّه‌ خرج‌ يوم‌ الجمعة‌ إلی‌ الصلاة‌، فسمع‌ ضجّة‌ عظيمة‌، فقال‌: ما هذا؟ قالوا: أهل‌ السجن‌ يضجّون‌ من‌ الحرّ. فقال‌: قولوا لهم‌: اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونَ! فلم‌ يمهله‌ الله‌ إذ لم‌ يصلّ جمعة‌ بعدها حتّي‌ صار إلی‌ جهنّم‌. وفي‌ «أخبار الدول‌» أنّ علماء السنّة‌ كفّروه‌ بكلمته‌ هذه‌، وقالوا أيضاً: وجد في‌ حبسه‌ بعد هلاكه‌ ثلاثة‌ وثلاثون‌ ألفاً كانوا قد سُجنوا بلا داعٍ. وأطلقهم‌ الوليد بن‌ عبدالملك‌. ونُقل‌ عن‌ الشعبيّ أ نّه‌ قال‌: إذا أُخرج‌ من‌ كلّ أُمّة‌ خبيثها وفاسقها، أخرجنا لهم‌ الحجّاج‌، وأ نّه‌ ليزيد علیهم‌ جميعاً. ونقل‌ أنّ عبدالملك‌ لمّا كتب‌ إلی‌ الحجّاج‌ ألاّ يقتل‌ أحداً من‌ آل‌ أبي‌ طالب‌، لانّ آل‌ حرب‌ ربّما أراقوا دماء أولاد أبي‌ طالب‌ فعّمهم‌ الموت‌ وزالت‌ دولتهم‌، فاجتنب‌ الحجّاج‌ سفك‌ دمائهم‌ خوفاً من‌ زوال‌ الملك‌ والسلطان‌ لا خوفاً من‌ الخالق‌ عزّ وجلّ. وقتل‌ الحجّاج‌ كثيراً من‌ شيعة‌ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌ وخاصّته‌ ككميل‌ بن‌ زياد النخعيّ، وقنبر غلام‌ الإمام‌ علیه‌ السلام‌. وضرب‌ عبدالرحمن‌ بن‌ أبي‌ ليلي‌ الانصاريّ بالسياط‌ حتّي‌ اسودّ كتفاه‌. وأمره‌ بسبّ أميرالمؤمنين‌ علیه‌ السلام‌، فلم‌ يسبّه‌ بل‌ ذكر مناقبه‌ مكان‌ ذلك‌. وقطع‌ يد ورجل‌ يحيي‌ بن‌ أُمّ طويل‌ الذي‌ كان‌ من‌ شيعة‌ الإمام‌ السجّاد علیه‌ السلام‌ وحواريِّة‌ حتّي‌ استُشهد. وآخر من‌ قتل‌ هو سعيد بن‌ جبير. وبعد خمس‌ عشرة‌ ليلة‌ مضت‌ علی‌ مقتله‌، ظهرت‌ الآكلة‌ في‌ جوفه‌ فكانت‌ سبباً في‌ هلاكه‌. وكان‌ قتل‌ سعيد وهلاك‌ الحجّاج‌ في‌ أيّام‌ الوليد بواسط‌ سنة‌ 95 ه ـ انتهي‌ موضع‌ الحاجة‌ من‌ كلام‌ المرحوم‌ المحدِّث‌ القمّيّ في‌ «تتمّة‌ المنتهي‌».

 أجل‌، ذكرنا هذه‌ المطالب‌ ليتبيّن‌ أنّ جميع‌ الحكّام‌ الجور الذين‌ مازالت‌ ترجمتهم‌ تسوِّد وجه‌ التأريخ‌ لم‌ يكونوا في‌ بادي‌ أمرهم‌ من‌ المستهترين‌ القتلة‌ ذوي‌ الشوارب‌ الكثّة‌ واللحي‌ المحلوقة‌، الجهلاء بمسائل‌ الدين‌ وأحكامه‌، بل‌ كانوا في‌ ظاهرهم‌ من‌ أُولي‌ الصلاح‌ وأهل‌ القبا والرداء والحَنَك‌، وكانوا مواظبين‌ علی‌ حضور الجمعة‌. وكانوا علی‌ هذه‌ السجيّة‌ يشهدون‌ المشاهد حتّي‌ آخر عمرهم‌. لانّ هذا المتاع‌ هو المتاع‌ الوحيد الذي‌ له‌ من‌ يشتريه‌ في‌ سوق‌ عامّة‌ المسلمين‌ يومئذٍ. بَيدَ أنّ عفريت‌ الشهوة‌ وكلب‌ الغضب‌ ونبيذ الغرور وحبّ الجاه‌ والرئاسة‌ والاوهام‌ المزيّفة‌، كلّ ذلك‌ قد استحوذ علیهم‌ حتّي‌ عدّوا أنفسهم‌ آلهة‌ علی‌ وجه‌ الارض‌.

 مُعَبَّا وَمُعَصَّا وَمُعَمَّمْ                               براي‌ قتل‌ دين‌ گشته‌ مُصَمَّم‌ 3

 نعوذ بالله‌ من‌ شرور أنفسِنَا ومن‌ سَيِّئَاتِ أعمالنا.

 1 ـ كانوا يَسِمُونَ العبيد علی‌ أيديهم‌ وظاهر أعناقم‌ إذا اشتروهم‌ لكي‌ يُعْرَفوا، ولا يفرّوا في‌ بعض‌ الاوقات‌ ولكي‌ لا يدّعي‌ سيّد آخر تملّكهم‌. ولمّا ذهب‌ الحجّاج‌ إلی‌ مكّة‌ وأخذ لعبد الملك‌ بن‌ مروان‌ البيعة‌ من‌ هؤلاء الصحابة‌ بوصفها استرقاقاً لهم‌، فقد وسم‌ ما بدا من‌ أجسامهم‌ بختم‌ الذلّ والعبوديّة‌ كسائر العبيد ليُعرفوا بهذه‌ المحنة‌ في‌ أنظار العامّة‌. وهنا تألّم‌ السيوطيّ واسترجع‌.

 2 ـ في‌ «أقرب‌ الموارد» مادّة‌ ق‌ ود: (اسْتَقَادَ) له‌ استقادةً: أعطاه‌ مَقَادَتَهُ وـ زيدٌ الاميرَ: سَأله‌ أن‌ يُقيدَ القاتلَ بالقتيل‌، وـ ذَلَّ وَخَضَعَ. (اسْتَقَادَ) فلانٌ الاميرَ من‌ القاتل‌ فأقادَهُ منه‌: أي‌: طلب‌ منه‌ أن‌ يَقْتُلَهُ فَفَعَلَ.

 3 ـ كان‌ في‌ أيّام‌ طفولتي‌ إلی‌ ريعان‌ شبابي‌ واعظ‌ في‌ طهران‌ يُدعي‌ الميرزا عبدالله‌ الواعظ‌ السبوحيّ الطهرانيّ. وكان‌ في‌ غاية‌ التقوي‌ والزهد، والفهم‌ والدراية‌ والعلم‌. ضليعاً في‌ التفسير والاخبار الواردة‌، عارفاً بالفلسفة‌ والحكمة‌. وكان‌ نسيج‌ وحده‌ في‌ الفصاحة‌ والبلاغة‌. جمهوريّ الصوت‌. وكان‌ أُعجوبة‌ في‌ فنّ الخطابة‌، وكيفيّة‌ الدخول‌ في‌ الموضوع‌ والخروج‌ منه‌، والتعريج‌ علی‌ قضيّة‌ كربلاء في‌ ختام‌ المنبر. وكان‌ يرتقي‌ المنبر في‌ شهر رمضان‌ في‌ مسجد (سبهسالار) الجديد الواقع‌ في‌ (شبستان‌ چهل‌ ستون‌)، ويتحدّث‌ من‌ هناك‌ عن‌ الاعتقادات‌، بخاصّة‌ المعاد، فيطرح‌ موضوعات‌ بكراً وحيّةً ورائعة‌ جدّاً. وكان‌ غيوراً، محبّاً للدين‌، حرّاً، منفتحاً. وهو رائد الخطابة‌ في‌ زمانه‌. وكنت‌ أُحبّه‌ كثيراً، وأحضر منبره‌ لاستفيد من‌ موضوعات‌ مع‌ أ نّي‌ كنت‌ يومئذٍ طالباً صغيراً في‌ المدرسة‌. ومازال‌ صوته‌ يدوّي‌ في‌ صحن‌ المدرسة‌ ومسجد سبهسالار، وقد كان‌ يقف‌ أيّام‌ العزاء علی‌ آخر مرقاد ـ ولعلّها المرقاة‌ السابعة‌ من‌ المنبر ـ وينزع‌ عمامته‌، ويُلقي‌ عباءته‌، ويشمرّ كُمَّي‌ قباه‌ حتّي‌ عضديه‌، وما زال‌ صوته‌ يرنّ في‌ مسمعي‌. وتحتفظ‌ ذاكراتي‌ بهذا البيت‌ الذي‌ أوردتُه‌، وكنت‌ قد سمعته‌ منه‌. وقد ألمّ به‌ المرض‌ لسنين‌، وتوفّي‌ عندما كنتُ في‌ النجف‌ الاشرف‌، أي‌: بعد سنة‌ 1370 ه. رحمة‌ الله‌ علیه‌ رحمةً واسعةً.

 وتعريب‌ البيت‌: «هو معبّأٌ ومعصّيً ومعمَّم‌ ومُصَمِّم‌ علی‌ إطفاء نورالدين‌».

[2] ـ ولد علیه‌ السلام‌ بالمدينة‌ سنة‌ 57 ه. وكان‌ بالطف‌ وهو ابن‌ أربع‌. وقُبض‌ بسمّ هشام‌ بن‌ عبدالملك‌ علی‌ يد عامله‌ بالمدينة‌ في‌ السابع‌ من‌ ذي‌ الحجّة‌ 114، أو 117. ودُفِن‌ بالبقيع‌ مع‌ عمّه‌ وأبيه‌ علیهم‌ السلام‌.

[3] ـ هذه‌ الاحاديث‌ كثيرة‌، ووردت‌ بألفاظ‌ مختلفه‌، وبلغت‌ حدّ الاستفاضة‌. وذكرها المجلسيّ رضوان‌ الله‌ علیه‌ في‌ ج‌ 1 من‌ «بحار الانوار»، ص‌ 117 إلی‌ 126 طبعة‌ الكمبانيّ، تحت‌ عنوان‌ «باب‌ إنَّ حديثهم‌ علیهم‌ السلام‌ صعبٌ مستصعبٌ وإنَّ كلامهم‌ ذو وجود كثيرة‌ وفضل‌ التدبّر في‌ أخبارهم‌ والتسليم‌ لهم‌ والنهي‌ عن‌ ردّ أخبارهم‌». والصعب‌ هو الحيوان‌ الشموس‌ الذي‌ لا يُرْكَب‌ ولا يحمل‌ علیه‌ في‌ مقابل‌ الذلول‌ وهو الحيوان‌ السهل‌ الانقياد. والمستصعب‌ هو الحيوان‌ الذي‌ إذا رآه‌ أحد يهرب‌ منه‌ خشية‌ أذاه‌. فمعني‌ الحديث‌ هو أنّ حديثنا صعب‌ لا يناله‌ أحد ومستصعب‌ لا يتسنّي‌ لكلّ شخص‌ بحيث‌ إنّه‌ لا يحتمله‌ إلاّ مَلَكٌ مقرّب‌ أو نبيّ مُرْسَل‌ أو عبد مؤمن‌ امتحن‌ الله‌ قلبه‌ للاءيمان‌. وذكرنا بعض‌ هذه‌ الاخبار في‌ الجزء الخامس‌ من‌ كتابنا هذا «معرفة‌ الإمام‌» الدرس‌ 65 إلی‌ 67 وأوردنا توضيحاً أكثر في‌ الهامش‌ أيضاً.

[4] ـ جاء هذا الحديث‌ عن‌ الرسول‌ الاكرم‌ مرسلاً في‌ «جامع‌ السعادات‌» ج‌ 1، ص‌ 24، طبعة‌ النجف‌ الاشرف‌، ولفظه‌: الناس‌ معادنُ كمعادن‌ الذهب‌ والفضّة‌، خيارهم‌ في‌ الجاهليّة‌ خيارهم‌ في‌ الإسلام‌.

[5] ـ ولد علیه‌ السلام‌ بالمدينة‌ سنة‌ 80 أو 83 من‌ الهجرة‌، وقُبض‌ بالمدينة‌ بسمّ المنصور علی‌ يد عامله‌ علی‌ المدينة‌ في‌ الخامس‌ والعشرين‌ من‌ شوّال‌، وقيل‌: في‌ رجب‌ من‌ عام‌ 148 ه. وقد ساعدني‌ التوفيق‌ فكتبتُ في‌ أحواله‌ كتاباً أخرجته‌ مطابع‌ النجف‌ بجزئيه‌. (المظفّر).

[6] ـ قُبض‌ محمّد بن‌ يعقوب‌ الكلينيّ عام‌ 328 أو 329 في‌ شعبان‌ عام‌ تناثر النجوم‌. وهي‌ سنة‌ وفاة‌ علی بن‌ محمّد السَّمُريّ! رضي‌ الله‌ عنه‌ الذي‌ انقطعت‌ السفارة‌ بموته‌، ووقعت‌ الغيبة‌ الكبري‌. وكتابه‌ «الكافي‌» من‌ أهمّ كتب‌ الشيعة‌.

[7] ـ هو محمّد بن‌ علی بن‌ بابويه‌ القمّيّ نزيل‌ الري‌. ورد بغداد عام‌ 355، وسمع‌ منه‌ شيوخ‌ الطائفة‌ وهو حدث‌ السنّ، وله‌ ثلاثمائة‌ مؤلَّف‌. مات‌ بالري‌ رحمه‌ الله‌ عام‌ 381.

[8] ـ هو محمّد بن‌ الحسن‌ بن‌ علی الطوسيّ. ولد في‌ شهر رمضان‌ عام‌ 385، وقدم‌ العراق‌ عام‌ 408، وانتقل‌ إلی‌ النجف‌ عام‌ 448، ومات‌ فيها ليلة‌ الاثنين‌ 22 من‌ المحرّم‌ عام‌ 460، ودُفن‌ في‌ داره‌. وهي‌ إلیوم‌ مسجد. وله‌ مؤلّفات‌ كثيرة‌ وكلّها مهمّة‌ جليلة‌.

[9] ـ اتّفقت‌ الشيعة‌ علی‌ ذلك‌. وذكر ذلك‌ كثير من‌ مؤلّفي‌ السنّة‌. انظر: «إسعاف‌ الراغبين‌»، و«نور الابصار»، و«تذكرة‌ الخواصّ»، و«الصواعق‌ المحرقة‌»، وغيرها.

[10] ـ ولد عام‌ 128، أو 129. وقُبض‌ لخمس‌ خلون‌ أو بقين‌ من‌ رجب‌ عام‌ 183، ودفن‌ بمقابر قريش‌ حيث‌ قبره‌ إلیوم‌.

[11] ـ جاءته‌ الإمامة‌ عام‌ وفاة‌ أبيه‌ سنة‌ 148، فكانت‌ أيّام‌ إمامته‌ خمساً وثلاثين‌ سنةً.

[12] ـ ولد علیه‌ السلام‌ بالمدينة‌ عام‌ 153، أو 148. وقُبض‌ بطوس‌ في‌ السابع‌ عشر من‌ صفر عام‌ 203 قتيلاً بسمّ المأمون‌. ودُفن‌ فيها حيث‌ قبره‌ إلیوم‌ يُقصد من‌ كلّ حدب‌ وصوب‌.

[13] ـ كان‌ ذلك‌ في‌ عام‌ قدومه‌ من‌ المدنية‌، وهو عام‌ 201. وزوّجه‌ بابنته‌ أُمّ حبيبة‌ في‌ عام‌ 202، وقتله‌ بالسمّ في‌ الشهر الثاني‌ من‌ عام‌ 203.

[14] ـ ذكر الطبريّ في‌ «تاريخ‌ الاُمم‌ والملوك‌» ج‌ 8، ص‌ 564 إلی‌ 568، طبعة‌ دار المعارف‌، مصر؛ وابن‌ الاثير في‌ «الكامل‌ في‌ التأريخ‌» ج‌ 5، ص‌ 191 إلی‌ 193، طبعة‌ إدارة‌ الطباعة‌ المنيريّة‌؛ وابن‌ كثير في‌ «البداية‌ والنهاية‌» ج‌ 10، ص‌ 248 إلی‌ 250، في‌ حوادث‌ سنة‌ 202 و 203، أنّ علی بن‌ موسي‌ علیها السلام‌ أخبر المأمون‌ بما فيه‌ الناس‌ من‌ الفقتنة‌ والقتال‌ منذ قتل‌ أخوه‌، وبما كان‌ الفضل‌ بن‌ سهل‌ يستر عنه‌ من‌ الاخبار، وأنّ أهل‌ بيته‌ والناس‌ قد نقموا علیه‌ أشياء؛ وأ نّهم‌ يقولون‌: إنّه‌ مسحور مجنون‌، وأ نّهم‌ لمّا رأوا ذلك‌ بايعوا لعمّه‌ إبراهيم‌ بن‌ المهديّ بالخلافة‌. فقال‌ المأمون‌: إنّهم‌ لم‌ يبايعوا له‌ بالخلافة‌؛ وإنّما صيّروه‌ أميراً يقوم‌ بأمرهم‌ علی‌ ما أخبره‌ به‌ الفضل‌. فأعلمه‌ أنّ الفضل‌ قد كذبه‌ وغشّه‌، وأنّ الحرب‌ قائمة‌ بين‌ إبراهيم‌ والحسن‌ بن‌ سهل‌، وأنّ الناس‌ ينقمون‌ علیك‌ مكانه‌ ومكان‌ أخيه‌ ومكاني‌ ومكان‌ بيعتك‌ لي‌ من‌ بعدك‌! فقال‌: ومَن‌ يعلم‌ هذا من‌ أهل‌ عسكري‌؟ فقال‌ له‌: يحيي‌ بن‌ معاذ، وعبدالعزيز بن‌ عمران‌، وعدّة‌ من‌ وجوه‌ أهل‌ العسكر! فقال‌ له‌: أدخلهم‌ علی حتّي‌ أُسائلهم‌ عمّا ذكرتَ! فأدخلهم‌ علیه‌؛ وهم‌ يحيي‌ بن‌ معاذ، وعبدالعزيز بن‌ عمران‌، وموسي‌، وعلی بن‌ أبي‌ سعيد ـ وهو ابن‌ أُخت‌ الفضل‌ ـ وخلف‌ المصريّ. فسألهم‌ عمّا أخبره‌، فأبوا أن‌ يخبروه‌ حتّي‌ يجعل‌ لهم‌ الامان‌ من‌ الفضل‌ بن‌ سهل‌؛ ألاّ يعرض‌ لهم‌. فضمن‌ ذلك‌ لهم‌، وكتب‌ لكلّ رجل‌ منهم‌ كتاباً بخطّه‌، ودفعه‌ إلیهم‌. فأخبروه‌ بما فيه‌ الناس‌ من‌ الفتن‌، وبيّنوا ذلك‌ له‌، وأخبروه‌ بغضب‌ أهل‌ بيته‌ وموإلیه‌ وقوّاده‌ علیه‌ في‌ أشياء كثيرة‌، وبما موّه‌ علیه‌ الفضل‌ من‌ أمر هرثمة‌، وأنّ هرثمة‌ إنّما جاء لينصحه‌ وليبيّن‌ له‌ ما يعمل‌ علیه‌، وأ نّه‌ إن‌ لم‌يتدارك‌ أمره‌ خرجت‌ الخلافة‌ منه‌ ومن‌ أهل‌ بيته‌. وأنّ الفضل‌ دسّ إلی‌ هرثمة‌ من‌ قتله‌، وأ نّه‌ أراد نصحه‌...

 فلمّا تحقّق‌ ذلك‌ عند المأمون‌ أمر بالرحيل‌ إلی‌ بغداد. فلمّا أمر بذلك‌ علم‌ الفضل‌ بن‌ سهل‌ ببعض‌ ذلك‌ من‌ أمرهم‌، فتعنّتهم‌ حتّي‌ ضرب‌ بعضهم‌ بالسياط‌ وحبس‌ بعضاً، ونتف‌ لحي‌ بعض‌... ثمّ ارتحل‌ من‌ مرو. فلمّا أتي‌ سرخس‌ شدّ قوم‌ علی‌ الفضل‌ بن‌ سهل‌ وهو في‌ الحمّام‌، فضربوه‌ بالسيوف‌ حتّي‌ مات‌... وهم‌ غالب‌ المسعوديّ الاسود، وقسطنطين‌ الروميّ، وفرج‌ الديلميّ، وموفّق‌ الصقلبيّ. وهربوا. فبعث‌ المأمون‌ في‌ طلبهم‌، وجعل‌ لمن‌ جاء بهم‌ عشرة‌ آلاف‌ دينار. فجاء بهم‌ العبّاس‌ بن‌ الهيثم‌ بن‌ بزرجمهر الدينوريّ، فقالوا للمأمون‌: أنتَ أمرتنا بقتله‌! فأمر بهم‌ فضربت‌ أعناقهم‌... ثمّ بعث‌ إلی‌ عبدالعزيز بن‌ عمران‌، وعلی، وموسي‌، وخلف‌ فساءلهم‌ فأنكروه‌ أن‌ يكونوا علموا بشي‌ء من‌ ذلك‌. فلم‌ يقبل‌ ذلك‌ منهم‌ وأمر بهم‌ فقُتلوا، وبعث‌ برؤوسهم‌ إلی‌ الحسن‌ بن‌ سهل‌ إلی‌ واسط‌، وأعلمه‌ ما دخل‌ علیه‌ من‌ المصيبة‌ بقتل‌ الفضل‌! وأ نّه‌ قد سيّره‌ مكانه‌. ووصل‌ الكتاب‌ بذلك‌ إلی‌ الحسن‌ فهاج‌ واضطرب‌ حتّي‌ شُدّ في‌ الحديد وحُبس‌ في‌ بيتٍ. ولمّا شخص‌ المأمون‌ من‌ سرخس‌، توجّه‌ إلی‌ طوس‌ وأقام‌ عند قبر أبيه‌ أيّاماً. ثمّ إنّ علی بن‌ موسي‌ الرضا أكل‌ عنباً فأكثر منه‌، فمات‌ فجأةً؛ وذلك‌ في‌ آخر صفر. فأمر به‌ المأمون‌ فدُفن‌ عند قبر الرشيد. (وخيّم‌ عند القبر ثلاثة‌ أيّام‌، ولم‌ يطعم‌ غير الماء والخبز والملح‌ الجشب‌. وسار خلف‌ الجنازة‌ حافياً، وهو يقول‌: مَنْ لي‌ بَعْدَكَ يَا أَبَاالحَسَنِ؟! ودفن‌ المأمون‌ الرضا. وكتب‌ في‌ شهر ربيع‌ الاوّل‌ إلی‌ الحسن‌ بن‌ سهل‌ يعلمه‌ أنّ علی بن‌ موسي‌ بن‌ جعفر علیهم‌ السلام‌ مات‌، ويُعلمه‌ ما دخل‌ علیه‌ من‌ الغمّ والمصيبة‌ بموته‌. وكتب‌ إلی‌ بني‌ العبّاس‌ والموإلی‌ وأهل‌ بغداد يعلمهم‌ موت‌ علی بن‌ موسي‌، وأ نّهم‌ إنّما نقموا بيعته‌ له‌ من‌ بعده‌، ويسألهم‌ الدخول‌ في‌ طاعته‌. وهنا نقف‌ علی‌ غدر المأمون‌ وكيفيّة‌ قتله‌ للفضل‌ بن‌ سهل‌ في‌ حمّام‌ سرخس‌، وقتل‌ قاتليه‌ الاربعة‌ مع‌ أربعة‌ أبرياء غيرهم‌ لاءخفاء جريمته‌، ثمّ أرسل‌ رؤوسهم‌ كقاتلين‌ إلی‌ أخي‌ المقتول‌: الحسن‌ بن‌ سهل‌، واستوزره‌، وأعلمه‌ بحزنه‌ وغمّه‌ لقتل‌ الفضل‌. ثمّ سمّ الإمام‌ الرضا علیه‌ السلام‌ بالعنب‌ المسموم‌ وسار خلف‌ جنازته‌ قائلاً: مَنْ لِي‌ بَعْدَكَ يَا أَبَا الحَسَنِ!

 ومن‌ المناسب‌ أن‌ نتقل‌ هنا قصّة‌ دخوله‌ علی‌ زبيدة‌ أُمّ أخيه‌ الامين‌ بعد مقتل‌ ولدها الامين‌، وبكائهما معاً. وتظاهره‌ أمامها أ نّه‌ بري‌ء من‌ قتله‌. وكانت‌ قد عرفت‌ ذلك‌، لا نّها علّمت‌ جواري‌ ولدها محمّد شعراً يغنّينه‌ بحضور المأمون‌. قال‌ محمود جار الله‌ الزمخشريّ في‌ كتاب‌ «ربيع‌ الابرار ونصوص‌ الاخبار» ج‌ 4، ص‌ 264: دخل‌ المأمون‌ علی‌ زبيدة‌ 1 يعزّيها عن‌ الامين‌ فتباكيا طويلاً وتبرّأ من‌ قتله‌. فأقسمت‌ علیه‌ ليتعذّينّ عندها. فلمّا فرغ‌ من‌ الغداء أخرجت‌ إلیه‌ من‌ جواري‌ محمّد مَن‌ تغنّيه‌ فأومأ إلی‌ وحدة‌، فغنّت‌ بقول‌ الوليد بن‌ عقبة‌: 2

 هُم‌ قَتَلوه‌ كي‌ْ يكونوا مَكانَه                  ‌ كَمَا غَدَرَتْ يوماً بِكِسْري‌ مَرَازِبُه‌

 فَإلاّ يكونوا قاتليه‌ فإنَّه                           ‌ سَوَاءٌ علینا مُمْسِكاه‌ وضاربُه‌

 1 ـ قال‌ الدكتور سليم‌ النعيميّ في‌ الهامش‌:

 2 ـ هي‌ زبيدة‌ ابنة‌ جعفر أُمّ محمّد الامين‌.

 3 ـ هو الوليد بن‌ عقبة‌ بن‌ أبي‌ معيط‌. وهذا الشعر يقوله‌ في‌ رثاء عثمان‌. وورد البيت‌ الثاني‌ في‌ «الاغاني‌»:

 بَنِي‌ هاشم‌ لا تَعْجَلُوا بِإقَادةٍ                  سواءٌ علینا قاتلوه‌ وسَالِبهُ

 وفي‌ رواية‌:

 بني‌ هاشم‌ لا تعجلونا فإنَّهُ

[15] ـ كانت‌ ولادته‌ في‌ العاشر من‌ رجب‌ سنة‌ 195 كما قيل‌. وقُبض‌ مسموماً في‌ ذي‌ القعدة‌ أو ذي‌ الحجّة‌ من‌ سنة‌ 220، فيكون‌ عمره‌ يوم‌ وفاته‌ 25 سنة‌، ودُفن‌ إلی‌ جنب‌ جدّه‌ الكاظم‌ علیهما السلام‌.

[16] ـ ولد بالمدينة‌ في‌ رجب‌ أو ذي‌ الحجة‌ من‌ سنة‌ 212 أو 214. وقُبض‌ مسموماً بسامرّاء في‌ رجب‌ أو جمادي‌ الآخرة‌ من‌ سنة‌ 254، ودُفن‌ في‌ داره‌ حيث‌ قبره‌ إلیوم‌.

[17] ـ انظر: «تاريخ‌ أبي‌ الفداء» 3: 47؛ و«مروج‌ الذهب‌» 2: 265.

[18] ـ ولد في‌ ربيع‌ الثاني‌ سنة‌ 231، أو 232، وقُبض‌ في‌ سامراء لثمان‌ خلون‌ من‌ ربيع‌ الاوّل‌ علی‌ الاشهر سنة‌ 260، ودُفن‌ مع‌ أبيه‌ في‌ دارهما. فكانت‌ أيّام‌ إمامته‌ ستّ سنين‌، وعمره‌ 28 أو 29 سنة‌. فهو أصغر الائمّة‌ بعد الجواد عمراً.

[19] ـ القِدح‌ بكسر القاف‌ وسكون‌ الدال‌ السهم‌ قبل‌ أن‌ يُنصل‌ ويراش‌. ويقال‌ لسهم‌ الميسر (القمار) قِدح‌ أيضاً. و المُعلی‌ سابع‌ سهام‌ الميسر ومداه‌ أبعد من‌ سائر السهام‌. وكان‌ ضرب‌ من‌ الميسر في‌ الجاهليّة‌ يقال‌ له‌: الازلام‌. وهو أ نّهم‌ كانوا يشترون‌ البعير بثمنه‌ ويقامرون‌ علیه‌، حيث‌ كان‌ يجتمع‌ منهم‌ ثمانية‌، ويضعون‌ ثماني‌ قداح‌ في‌ خريطه‌ ويكتبون‌ علی‌ واحد منها «سهم‌ واحد»، وعلی‌ الآخر «سهمان‌» وهكذا حتّي‌ يكتبوا علی‌ السهم‌ ا لسابع‌ «سبعة‌ أسهم‌». ولكلّ منها اسم‌ خاصّ به‌، مثلاً اسم‌ السهم‌ السابع‌ المعلی‌. ويكتبون‌ علی‌ السهم‌ الثامن‌: «بلا سهم‌». ثمّ يقسّمون‌ العبير إلی‌ 28 سهماً، أي‌: إلی‌ سبعة‌ أسهم‌، وستّة‌، وخمسة‌، حتّي‌ سهم‌ واحد فيصبح‌ المجموع‌ 28 سهماً. فيأتي‌ المقامرون‌ الثمانية‌ إلی‌ الخريطة‌، ويستخرجون‌ القِداح‌، فالمكتوب‌ علیها عدد واحد يأخذ سهماً واحداً، والمكتوب‌ علیها اثنان‌ يأخذ سهمين‌. وهكذا فالذي‌ يأخذ العدد ( 7 ) يأخذ سبعة‌ أسهم‌ من‌ البعير، وهي‌ الحصّة‌ الاكبر من‌ بين‌ الحصص‌. أمّا الذي‌ يرفع‌ القدح‌ المكتوب‌ علیها «بلاسهم‌» فيخسر في‌ هذا القمار، وما علیه‌ إلاّ أن‌ يدفع‌ ثمن‌ البعير كلّه‌. وفي‌ هذا الضرب‌ من‌ القمار يفوز سبعة‌ بأسهم‌ متنفاوتة‌، ويخسر واحد منهم‌. ولمّا كانت‌ أعلی‌ حصّة‌ للهسم‌ السابع‌، لهذا يُعَبَّر عنه‌ القِدْحُ المُعلی‌. ويستعمل‌ عند العرب‌ لصاحب‌ النصيب‌ الاعظم‌. ويقول‌ المرحوم‌ المظفّر في‌ هذه‌ العبارة‌: القسط‌ الاتمّ والاكمل‌ في‌ التشيّع‌ كان‌ من‌ نصيب‌ أهل‌ المدائن‌ تربّوا علی‌ يد سلمان‌ الفارسيّ وحذيفة‌ بن‌ إلیمان‌.

[20] ـ ذكر ولادته‌ عدّة‌ من‌ أهل‌ السنّة‌. انظر: ابن‌ خلّكان‌ في‌ ترجمته‌؛ وابن‌ حجر في‌ «الصواعق‌» ص‌ 100 و 114؛ ومحمّد بن‌ طلحة‌ الشافعيّ في‌ «مطالب‌ السئو» ص‌ 89، طبعة‌ إيران‌؛ و«ينابيع‌ المودّة‌»؛ و«الفصول‌ المهمّة‌» لابن‌ الصبّاغ‌ المالكيّ في‌ الفصل‌ الثانيّ عشر؛ و«كفاية‌ الطالب‌» لمحمّد بن‌ يوسف‌ الكنجيّ الشافعيّ؛ و«البيان‌ في‌ أخبار صاحب‌ الزمان‌» لحمّد المذكور؛ و«تذكرة‌ الخواصّ» لسبط‌ بن‌ الجوزيّ، ص‌ 204؛ و«إلیواقيت‌» لعبد الوهّاب‌ الشعرانيّ، في‌ المبحث‌ الخامس‌ والستّين‌، وكتابه‌ بمنزلة‌ الشرح‌ ل «الفتوحات‌ المكّيّة‌» لمحيي‌ الدين‌ بن‌ عربيّ؛ و«سبائك‌ الذهب‌» للسويديّ البغداديّ، ص‌ 76؛ و«عمدة‌ الطالب‌» ص‌ 186؛ وابن‌ الاثير، ج‌ 7، ص‌ 90؛ و«تاريخ‌ أبي‌ الفداء» ج‌ 2، ص‌ 52، إلی‌ كثير سواهم‌. وقد ذكر العلاّمة‌ المبرور الشيخ‌ الميرزا حسين‌ النوريّ في‌ كتابه‌ «كشف‌ الاستار» كثيراً من‌ أهل‌ السنّة‌ ممّن‌ ذكر ولادته‌ وحياته‌ ووجوده‌. ونقل‌ عن‌ بعضهم‌ أ نّه‌ اجتمع‌ به‌ وروي‌ عنه‌.

[21] ـ كان‌ عثمان‌ بن‌ سعيد من‌ قوّام‌ العسكريّين‌ ووكلائهما. ويلقّب‌ بالسَّمَّان‌ كما يلقّب‌ بالعمريّ. وخرج‌ التوقيع‌ من‌ الحجّة‌ بسفارته‌ ولم‌ تطل‌ أيّامه‌. ثمّ خرج‌ التوقيع‌ بسفارة‌ ابنه‌ محمّد، وكان‌ من‌ قبل‌ وكيلاً لابي‌ محمّد العسكريّ. وكانت‌ وفاته‌ في‌ آخر جمادي‌ الاُولي‌ سنة‌ 304 أو 305. ثمّ خرج‌ التوقيع‌ أيّام‌ حياة‌ محمّد بسفارة‌ الحسين‌ من‌ بعده‌، وهو من‌ بني‌ نوبخت‌. وكانت‌ وفاته‌ في‌ شعبان‌ سنة‌ 326. وفي‌ أيّام‌ الحسين‌ خرج‌ التوقيع‌ بسفارة‌ السَّمُريّ من‌ بعده‌. ولمّا توفّي‌ السمريّ سنة‌ 329 لم‌ يخرج‌ التوقيع‌ بسفارة‌ أحد. بل‌ ذكر الشيخ‌ في‌ كتاب‌ «الغيبة‌» ص‌ 257 أنّ توقيعاً خرج‌ علی‌ يد السمريّ يعزّيّ فيه‌ الشيعة‌ بموته‌، ويذكر فيه‌ انقطاع‌ السفارة‌ بعده‌ ووقوع‌ الغيبة‌ الكبري‌.

[22] ـ «تاريخ‌ الشيعة‌» لآية‌ الشيخ‌ محمّد حسين‌ المظفّر، ص‌ 42 إلی‌ 66.

      
  
الفهرس
  الدرس‌ السادس‌ والعشرون‌ بعد المائتين‌ إلی‌ الاربعين‌ بعد المائتين‌:تقدّم‌ الشيعة‌ وتأسيسهم‌
  عظمة‌ الكلمات‌ الآفاقيّة‌ والانفسيّة‌
  كلمات‌ قصار للعلماء في‌ عظمة‌ القلم‌ والكتابة‌
  كلام‌ أبي‌ سعيد في‌ رواية‌ الحديث
  الصحابة‌ يكتبون‌ جميع‌ ما يسمعونه‌ من‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  خلاف‌ العامّة‌ في‌ صيغة‌ التشهّد
  تدوين‌ الشيعة‌ الحديث‌ اقتداءً بأئمّتهم‌
  أئمّة‌ العامّة‌ الاربعة‌ من‌ الناس‌ العاديّين‌ في‌ أعصارهم‌
  تدوين‌ الشيعة‌ التابعين‌ للحديث‌
  منزلة‌ أبي‌ حمزة‌ الثمالی‌ّ
  منزلة‌ بُريد، وزرارة‌، ومحمّد بن‌ مسلم‌، وأبي‌ بصير
  كلام‌ الشهرستانيّ في‌ تبجيل‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  ‌ دفاع‌ الشهرستانيّ عن‌ هشام‌ بن‌ الحكم‌
  المدوّنون‌ من‌ أصحاب‌ الإمام‌ الكاظم‌ حتّي‌ العسكري‌ّ عليهما السلام‌
  كلام‌ عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ تدوين‌ الشيعة‌ للسنّة‌ النبويّة‌
  الشيخ‌ الطوسي‌ّ والشريفان‌ المرتضي‌ والرضي‌ّ
  السبّاقون‌ في‌ التدوين‌ هم‌ شيعة‌ علی من‌ الصحابة‌ والتابعين‌
  شروط‌ الشيعة‌ في‌ قبول‌ الحديث‌ ممّن‌ يرويه‌
  الشيعة‌ يروون‌ عن‌ أهل‌ السنّة‌ أيضاً
  رواة‌ الشيعة‌ أفذاذ في‌ الحفظ‌ والإتقان‌ والورع‌
  مائة‌ من‌ مشايخ‌ الشيعة‌ كانوا من‌ شيوخ‌ العامّة‌ في‌ الرواية‌
  ترجمة‌ معروف‌ الكرخي‌ّ وتوثيقه‌
  ذنب‌ المحدِّثين‌ من‌ الشيعة‌ تشيّعهم‌!
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ تأسيس‌ العلوم‌ الإسلاميّة‌
  الشيعة‌ هم‌ السبّاقون‌ في‌ العلوم‌ القرآنيّة‌ المتنوّعة‌
  أئمّة‌ علم‌ القرآن‌ من‌ الشيعة‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الحديث‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الدراية‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الرجال‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الفقه‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الكلام‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ مكارم‌ الاخلاق‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ فنّ الجغرافيّة‌ في‌ صدر الإسلام‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الاخبار والتواريخ‌ والآثار، ومزيّتهم‌ علی الآخرين‌
  تقدّم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ اللغة‌
  تقدم‌ الشيعة‌ في‌ علم‌ الإنشاء والكتابة‌
  الاحاديث‌ النبويّة‌ في‌ لزوم‌ التشيّع‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلّم‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر أميرالمؤمنين‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ المجتبي‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌عصر سيّد الشهداء عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ زين‌ العابدين‌ عليه‌ السلام‌
  ثورة‌ المختار والثناء عليه‌
  ثورة‌ التوّابين‌ (التعلیقة)
  جرائم‌ الحجّاج‌ وعبد الملك‌ ضدّ الشيعة‌
  كان‌ الكثير من‌ حكّام‌ الجور في‌ بادي‌ أمرهم‌ من‌ أهل‌ الزهد والعبادة‌ (التعلیقة)
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الباقر عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ جعفر الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ موسي‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الجواد عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ عليّ الهاديّ عليه‌ السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ الحسن‌ العسكريّ عليه السلام‌
  مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ عصر الإمام‌ المهديّ عليه‌ السلام‌
  >>مسار العلوم‌ وتأريخ‌ الشيعة‌ في‌ الغيبة‌ الكبري‌
  الدرس‌ الحادي‌ والاربعون‌ بعد المائتين‌ إلی‌ الخامس‌ والخمسين‌ بعد المائتين‌
  الكلمة‌ الطيّبة‌ هي‌ حقيقة‌ الولاية‌
  ردّ العلاّمة‌ الطباطبائي‌ّ علی الآلوسي‌ّ في‌ الدفاع‌ عن‌ بني‌ أُميّة‌
  حقيقة‌ الكلمة‌ التكوينيّة‌ الطيّبة‌ وجود سرّ الإنسان‌ الكامل‌
  كلام‌ المرحوم‌ الكمباني‌ّ في‌ الفرق‌ بين‌ الكلمة‌ والكتاب‌ الإلهي‌ّ
  رسول‌ الله‌ وآله‌ لهم‌ المقام‌ الجمعي‌ّ في‌ أعلی القلم‌
  وراثة‌ الإمام‌ الصادق‌ العلوم‌ الكلّيّة‌ عن‌ رسول‌ الله‌ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  عمر الإمام‌ الصادق‌ الطويل‌ أحد البواعث‌ علی ظهور علومه‌
  أسباب‌ تسمية‌ التشيّع‌ بالمذهب‌ الجعفري‌ّ
  تعبّد الناس‌ بفقه‌ العامّة‌ حتّي‌ عصر الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  دور الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ عرض‌ الاُسس‌ الإسلاميّة‌
  عمل‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ إبانة‌ الإسلام‌ الحقيقي‌ّ
  سبب‌ امتناع‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ عن‌ قبول‌ الخلافة
  كلام‌ مترجم‌ كتاب‌ «مغز متفكّر جهان‌ شيعة‌» حول‌ المذهب‌ الجعفري‌ّ (التعلیقة)
  تفصيل‌ مواقف‌ المنصور الدوانيقي‌ّ من‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  كان‌ المنصور الدوانيقي‌ّ يعطي‌ الامان‌ ويقتل‌
  اعتقال‌ المنصور بني‌ الحسن‌ في‌ سجن‌ الهاشميّة‌
  موقف‌ المنصور من‌ محمّد الديباج‌ وتعذيبه‌
  المنصور أوّل‌ مثير للخلاف‌ بين‌ العبّاسيّين‌ والعلويّين‌
  شدّة‌ حرص‌ المنصور الدوانيقي‌ّ وبخله‌
  استدعاء الامويّين‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ إلی‌ الشام‌
  استدعاء المنصور الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌من‌المدينة‌إلی‌قصرالحمراء
  حوار المنصور مع‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ولين‌ الإمام‌
  إغلاق‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ كلّ طريق‌ للانتهاك‌ أمام‌ المنصور
  موقف‌ آخر للمنصور من‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  جواب‌ الإمام‌ الصادق‌ للمنصور حول‌ سبب‌ امتناعه‌ عن‌ مخالطته‌
  دعاء الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ في‌ دفع‌ شرّ المنصور عنه‌
  استدعاء المنصور، واستحلاف‌ الإمام‌ الصادق‌ الرجل‌ الكاذب‌ وهلاكه‌
  ضعف‌ الاسباب‌ في‌ استدعاء المنصور للإمام‌ الصادق‌ عدّة‌ مرّات‌
  عدم‌ استطاعة‌ المأمون‌ تحمّل‌ الإمام‌ الرضا عليه‌ السلام‌
  احتجاج‌ رجل‌ صوفي‌ّ، وعزم‌ المأمون‌ علی قتل‌ الإمام‌ الرضا
  علوم‌ الإمام‌ الصادق‌ كالشجي‌ المعترض‌ في‌ حلق‌ المنصور
  الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يُطفي‌ غضب‌ المنصور
  موقف‌ الإمام‌ الحكيم‌ من‌ المنصور
  الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ يجيب‌ جواسيس‌ المنصور بالنفي‌
  تشيّع‌ جعفر بن‌ محمّد بن‌ الاشعث‌ بسبب‌ علوم‌ الإمام‌ الغيبيّة‌
  التجسّس‌ علی العلويّين‌ وخداعهم‌ بالمال‌ الكثير
  تقيّة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ الشديدة‌ وخوفه‌ علی سفيان‌
  مواعظ‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ لسفيان‌ الثوري‌ّ
  سنون‌ الحكومة‌ الامويّة‌ والمروانيّة‌ (التعلیقة)
  معاناة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ من‌ الولاة‌ الجائرين‌
  خطبة‌ والی‌ المدينة‌ واعتراض‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  قتل‌ المعلی بن‌ خنيس‌ ومصادرة‌ أموال‌ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  تبديل‌ الثورة‌ الدينيّة‌ للعبّاسيّين‌ إلی‌ إمبراطوريّة‌
  اعتقال‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ ودعاؤه‌ بالخلاص‌
  بعض‌ الإصلاحات‌ التي‌ قام‌ بها عمر بن‌ عبد العزيز
  حوار الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ المتصوّفة‌ حول‌ الزهد الحقيقي‌ّ
  البحث‌ الثاني‌ في‌ مدرسة‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وعلومه‌ وتلامذته‌
  تلاميذ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ أربعة‌ آلاف‌
  جمع‌ كثير من‌ المشايخ‌ كانوا تلاميذ الإمام‌ عليه‌ السلام‌
  تلمذة‌ مالك‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ وأبو حنيفة‌
  تمجيد أبي‌ حنيفة‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  بحث‌ حول‌ مالك‌ بن‌ أنس‌ بن‌ أبي‌ عامر الاصبحيّ المدنيّ أحد أئمّة‌العامّة‌في‌الفقه‌
  تمجيد مالك‌ للإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  ردّ الإمام‌ الكاظم‌ عليه‌ السلام‌ أحاديث‌ العامّة‌ للحسن‌ بن‌ عبد الله‌
  بحث‌ حول‌ أبي‌ حنيفة‌: النعمان‌ بن‌ ثابت‌ بن‌ زُوطي‌ التميميّ إمام‌ آخر من‌ أئمّة‌العامّة‌الاربعة‌
  مناقب‌ مزيّفة‌ مزعومة‌ لابي‌ حنيفة‌ (التعلیقة)
  مخالفة‌ أبي‌ حنيفة‌ للسُّنّة‌ النبويّة‌ الشريفة‌ في‌ مواضع‌ كثيرة‌
  صلاة‌ القفّال‌ المروزي‌ّ علی فتوي‌ أبي‌ حنيفة‌
  ترجمة‌ أبي‌ يوسف‌ القاضي‌ تلميذ أبي‌ حنيفة‌
  عبارات‌ دامغة‌ لاعاظم‌ السنّة‌ في‌ أبي‌ حنيفة‌
  كرامتان‌ باهرتان‌ لقبر أبي‌ حنيفة‌
  قصّة‌ الرجل‌ الزائر مع‌ خادم‌ قبر أبي‌ حنيفة‌
  مدّة‌ الحمل‌ عند العامّة‌ ومدّة‌ حمل‌ الشافعي‌ّ
  استهزاء أبي‌ حنيفة‌ بقول‌ النبي‌ّ صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  كلام‌ الخطيب‌ البغدادي‌ّ في‌ أبي‌ حنيفة‌
  حكم‌ أبي‌ حنيفة‌ في‌ قطع‌ يد السارق‌ الذي‌ سرق‌ فسيل‌ النخل‌
  تشبيه‌ أبي‌ حنيفة‌ بالمولّدين‌ من‌ بني‌ إسرائيل‌
  كلام‌ شريك‌ حول‌ انحراف‌ أبي‌ حنيفة‌
  فتوي‌ أبي‌ حنيفة‌ تفصل‌ النساء عن‌ أزواجهنّ
  شهادة‌ علماء العامّة‌ علی جهل‌ أبي‌ حنيفة‌
  اتّهام‌ مؤمن‌ الطاق‌ أبا حنيفة‌ بالتناسخ‌
  ردّ ابن‌ المبارك‌ علی أحاديث‌ أبي‌ حنيفة‌
  مرجع‌ الكتب‌ الشاملة‌ لفتاوي‌ الفقهاء الاربعة‌
  حوار يوحنّا مع‌ علماء العامّة‌
  أبو حنيفة‌: حكم‌ القاضي‌ نافذ ظاهراً وباطناً
  تصديق‌ المذنب‌ الشهودَ يوجب‌ سقوط‌ الحدّ!
  موارد من‌ فتوي‌ أبي‌ حنيفة‌ المخالفة‌ للشرع‌ والعقل‌
  مالك‌ يجيز اللواط‌
  الحنابلة‌ يقولون‌ بجسمانيّة‌ الله‌
  بعض‌ علماء العامّة‌ يكفّرون‌ الشيعة‌ ويستحلّون‌ دماءهم‌
  مدح‌ الصحابة‌ بشرط‌ عدم‌ ارتدادهم‌
  إشكالات‌ الجويني‌ّ علی مالك‌
  جواز تعاطي‌ البنج‌ ولعب‌ الشطرنج‌ و... عند الفقهاء الاربعة‌
  ردّ استدلال‌ المالكيّين‌ علی جواز وط‌ء الغلام‌
  مسألة‌ رضاع‌ الكبير عند العامّة‌
  قصّة‌ رضاع‌ سالم‌ مولي‌ أبي‌ حذيفة‌
  رضاع‌ الكبير عند عائشة‌ من‌ الثدي‌
  بحث‌ حول‌ محمّد بن‌ إدريس‌ الشافعيّ القُرَشيّ المُطَّلِبيّ
  حوار الشافعي‌ّ مع‌ مالك‌
  شعر الشافعي‌ّ في‌ ولاء أهل‌ البيت‌
  شعر الشافعي‌ّ في‌ حبّ آل‌ محمّد صلّي‌ الله‌ عليه‌ وآله‌
  كان‌ الشافعي‌ّ عامّي‌ّ المذهب‌ ومعتقداً بالخلفاء
  الشافعي‌ّ سنّي‌ّ معتدل‌
  الشافعي‌ّ لا يجيز العمل‌ بالرأي‌ والقياس‌
  ردّ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ علی أبي‌ حنيفة‌ قوله‌ بالقياس‌
  نصائح‌ الإمام‌ الصادق‌ للإمام‌ الكاظم‌ علی ما نقله‌ الدميري‌ّ
  حوار الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌ مع‌ أبي‌ حنيفة‌ حول‌ الرأي‌ والقياس‌
  أهل‌ القياس‌ يبدّلون‌ الحلال‌ والحرام‌ أحدهما بالآخر (التعلیقة)
  كان‌ أبو بكر لا يجيز العمل‌ بالرأي‌ والقياس‌
  روايات‌ الشيعة‌ في‌ حرمة‌ العمل‌ بالقياس‌
  وفاة‌ الشافعي‌ّ وشي‌ء من‌ شعره‌
  بحث‌ حول‌ أحمد بن‌ محمّد بن‌ حَنْبَل‌ الشَّيْبانيّ المروزيّ البغداديّ
  من‌ مشاهير المعتزلة‌
  لقاء أحمد بأحد مشايخ‌ الشيعة‌ بالكوفة‌
  كيفيّة‌ تقليد العامّة‌ قبل‌ الرشيدَين‌ وبعدهما
  أحمد بن‌ حنبل‌ يجيز لعن‌ يزيد ويسبّب‌ لعن‌ بعض‌ الصحابة‌
  شعر الزمخشري‌ّ في‌ كتمان‌ مذهبه‌
  العواقب‌ السيّئة‌ لغلق‌ باب‌ الاجتهاد والقول‌ بعدالة‌ الصحابة‌
  الإماميّة‌ يعتقدون‌ بالعدل‌ الإلهي‌ّ وعصمة‌ الانبياء
  الاشاعرة‌ يعتقدون‌ بجسمانيّة‌ الله‌ في‌ رؤيته‌
  رأي‌ الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌ في‌ العدل‌
  كلام‌ الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌ في‌ عصمة‌ الانبياء
  عقائد الاشاعرة‌ في‌ التوحيد والعدل‌ مدعاة‌ إلی‌ البراءة‌ من‌ الإسلام‌
  الحُسن‌ والقبح‌ العقليّان‌ من‌ منظار الشيعة‌ والاشاعرة‌
  إن‌ الله‌ تعالی‌ لا یفعل‌ القبيح‌
  أفعال‌ الله‌ معلّلة‌ بأغراض‌
  صفات‌ النبي‌ّ عند الشيعة‌ وأهل‌ السنّة‌
  انتهاء علوم‌ الفقهاء الاربعة‌ إلی‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  خطأ أحمد أمين‌ في‌ الحكم‌ بأخذ الشيعة‌ عن‌ المعتزلة‌
  خطأ أحمد أمين‌ في‌ التأريخ‌ وعلم‌ المصادر
  دخول‌ مالك‌ علی أبي‌ جعفر المنصور الدوانيقي‌ّ بمني‌
  أمر المنصور مالكاً بتالیف‌ كتاب‌ الفقه‌
  دفاع‌ مالك‌ عن‌ فتواه‌ في‌ القسامة‌
  حوار المغيرة‌ المخزومي‌ّ ـ تلميذ مالك‌ـ مع‌ أبي‌ يوسف‌ القاضي‌
  موطّأ مالك‌ دستور المنصور الانقلابي‌ّ للبلاد
  أبيات‌ الشاعرة‌ بروين‌ اعتصامي‌ّ في‌ ظلم‌ الحكّام‌
  سبب‌ تقليل‌ روايات‌ «الموطّأ»
  سبب‌ تألیفه‌ وزمن‌ تألیف‌ «الموطّأ»
  تهرّب‌ مالك‌ من‌ أمر المنصور بتإلیف‌ الرسالة‌
  الانحراف‌ التدريجي‌ّ لمالك‌ وركونه‌ إلی‌ المنصور
  كلام‌ عبد الحليم‌ الجندي‌ّ في‌ انتقال‌ الفقه‌ من‌ المدينة‌ إلی‌ العراق‌
  المذهب‌ الجعفري‌ّ يبطل‌ القياس‌
  كلام‌ قادح‌ لاحمد أمين‌ في‌ الإمام‌ الصادق‌ عليه‌ السلام‌
  عظمة‌ محمّد بن‌ زيد في‌ معاملة‌ ابن‌ هشام‌ الاموي‌ّ
  نماذج‌ الاصالة‌ عند محمّد بن‌ زيد العلوي‌ّ
  شعر الشافعي‌ّ في‌ مقتل‌ أبي‌ عبد الله‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌
  فضيلة‌ زيارة‌ قبر الإمام‌ الحسين‌ عليه‌ السلام‌ (التعلیقة)
  أبيات‌ من‌ القصيدة‌ الاُزريّة‌ في‌ عظمة‌ مقام‌ الائمّة‌

جميع الحقوق محفوظة لـ موقع المتقين www.motaghin.com ويسمح باستخدام المعلومات بشرط الإشارة إلى المصدر.

© 2008 All rights Reserved. www.Motaghin.com


Links | Login | SiteMap | ContactUs | Home
عربی فارسی انگلیسی